241

Tuhfat Asmac

تحفة الأسماع والأبصار

ولما رجعنا من ذلك السفر الميمون ووصلنا إلى الحضرة المولوية -أعزها الله تعالى- في غرة شهر ربيع الأول من تلك السنة المذكورة، وهذا الخبر شايع أمره، ذايع سره، كنت ممن تشرف بالمفاوضة فيه من مولانا أمير المؤمنين -أيده الله تعالى- وكنت أجبت بما ظهر لي من النظر، وسنح لدي من خاطري الظن الذي حضر، مما يطابق رأي الأكثر، وكان مولانا -أيده الله- يحرر النظر في تعيين الرجل الذي يتوجه إلى تلك الديار، ويدبر في ذلك جلايل الأنظار؛ ولا أدري هل وجه نظره قبل التعيين علي إلى غيري أم لا، ثم إنه -أيده الله تعالى- أراد أن يخصني بفضيلة هذه العزيمة، ويقلدني القيام بهذه الفريضة العظيمة، وعلمت أنه -أيده الله تعالى- قد أدلى إلي بحسن ظنه، وأن ذلك من فضل الله علي ومنه، فأجبته إلى ذلك، وسألت الله عز وجل أن يرفع لنا أنوار هذه المسالك، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ثم إن مولانا -أيده الله تعالى- أخذ في تعيين هدية فاخرة، وعارفة تليق بمقامات الملوك، ومكارمه الظاهرة، منوعة أنواعا، وأسنى من هدية الملك إليه وأطول باعا، من خلع الديباج العجيبة، ومطارف الملوك السنية القشيبة، والسيوف القاضبة القاطعة، والدروع القاضبة السابغة، والبنادق الفاخرة البالغة، مع شيء من آلات الخيل النفيسة، والأتراس المناسبة لكل حضرة رئيسة، ولما استكمل -أيده الله تعالى- ما يريد من ذلك أمر بإرسال رسالتين، إلى الملك عظيمتين، كنت أحب إثبات ألفاظهما في هذه الجملة إلا أن إحداهما ذهبت بحريق النار الذي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، والأخرى التي وصلت إلى الملك فاتنا ذلك منها بفواتها من أيدينا، ولم يخطر بالبال رقمها إلا بعد الذهاب، وقد كان مولانا -أيده الله- أودعنا ما اقتضاه حسن نظره، وكمال تدبيره وهو أن قال: إذا انتهيتم إلى هذا الملك أظهرتم له هذه الرسالة الظاهرة المتظمنة الجواب عليه وذكر الهدية، وأخرتم الرسالة الأخرى حتى تجتمعوا به في موقف خال، وهو لا بد يفيض إليكم ما عنده من الخير الذي يريد إلقاءه، فإن وجدتموه يريد ذلك الأمر الذي يعلق به للأمل، وأنه يريد الدخول في ملة الإسلام المشرفة على ساير الملل، دفعتم إليه الرسالة الأخرى، وخضتم معه في ذلك على ما تقتضيه الحال سرا وجهرا، وإن وجدتموه تائها في ضلالته، سادرا في ظلمات جهالته[81/ب] لا سبيل إلى ولوج النصيحة في لبه، ولا طريق إلى تقرير ذلك في قلبه، أعرضتم عنه صفحا، وطويتم عنه كشحا، والحاضر يرى ما لا يراه الغايب، والحازم من نفعته النصايح وأفادته التجارب، واعتمدنا هذه الوصية النافعة، ووجدناها ولله الحمد لأسباب الرشاد والخير جامعة، ذكر ابتداء السفر وتوجهنا من حضرة الإمام -عليه السلام- في غرة جمادى الأخرى مقدمين ما بين يدي ذلك حسن التوكل، وخالص التوسل، والمبالغة بتقوى الله عز وجل، وتعليق النية بطاعته وطاعة خليفة الإمام الأجل؛ فإن ذلك أبلغ ما يستعان به على نجاح المقاصد الصالحة، ونمو متاجر الخير الرابحة، كما قال تعالى{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} وكان في صحبتنا جماعة ممن تليق مصاحبتهم في السفر من الشيعة والعسكر، أهل الصبر والرعاية، والمروءة والحماية، وقدر اثنين وعشرين نفرا، فيهم نحو اثنى عشر بندقا، وكان مرورنا على السيدين العظيمين، والرئيسين المكرمين، عز الملة والدين وجبل العلم والحلم الشامخ الحصين، وصفي الإسلام والمسلمين، وسيف الحق المنتضى على أعداء الله المفسدين، محمد وأحمد ابني الحسن بن أمير المؤمنين -حفظهما الله تعالى- وهما إذ ذاك بمحروس مدينة صنعاء -حرسها الله تعالى وعمرها بأهل الإيمان والتقوى.

وكان هذا الرسول الواصل من الملك استصحب إليهما كتابين، وما تيسر من الهدية، فأجابا عليه ووجها إليه ما تسنى من الهدية مضافة إلى هدية مولانا أمير المؤمنين -أيده الله تعالى- وكانت هدية من أسنى الهدايا، وعطية من أجل العطايا، واستقبلنا السفر المبارك على تيسير الله وتدبيره وهو الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد، ولا يجمعهما غيره؛ لأن الصاحب لا يكون خليفة والخليفة لا يكون مستصحبا.

ولما انتهينا إلى بندر المخاء -حرسه الله تعالى- وكان مولانا -أيده الله تعالى- قد أمر النايب فيه بتجهيز جميع العسكر المحافظين في البندر بأعظم ما يكون من الإعداد في المراكب لما يتوهم أن يعرض من الأتراك -أذلهم الله تعالى- وتلقيهم من بندر سواكن وبندر مصوع، ففعل نايب المخاء بما أمر به، وتجهزنا من هنالك في نصف شعبان من تلك السنة المذكورة، وكان جملة سفرنا في البحر يومين فقط، والمسألة مع استواء الريح أقرب من ذلك بأنها قد تقطع في يوم واحد.

Halaman 362