Tuhfat al-Labib Biman Takallama Fihim al-Hafiz Ibn Hajar min al-Ruwat fi Ghayr 'al-Taqrib'
تحفة اللبيب بمن تكلم فيهم الحافظ ابن حجر من الرواة في غير «التقريب»
Penerbit
مكتبة ابن عباس للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
Lokasi Penerbit
المنصورة - جمهورية مصر العربية
Genre-genre
تحفة اللبيب بمن تكلم فيهم الحافظ ابن حجر من الرواة في غير «التقريب»
تقديم
فضيلة الشيخ المحدث محمد بن عبد الله الإمام
جمع وترتيب
أبي عمرو نور الدين بن علي بن عبد الله السدعي الوصابي
[الجزء الأول]
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
تحفة اللبيب بمن تكلم فيهم الحافظ ابن حجر من الرواة في غير «التقريب»
[١]
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حُقُوقُ الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطَّبْعَة الأُولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
رقم الإيداع: ٢٣٢٨١/ ٢٠٠٩ م
مكتبة ابن عباس للنشر والتوزيع
سمنود - جمهورية مصر العربية - ش الثورة - بجوار سنترال الدولية
المنصورة - عزبة عقل - أمام مركز شور
هاتف/ فاكس: ٠٤٠٢٩٦٧٣٦٨
محمول: ٠١٢٢٣٤٦١٨٩٦
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
مقدمة الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله
الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد فبين يديَّ كتاب لأخينا الفاضل نور الدين بن علي الوصابي، وهو "تحفة اللبيب بمن تكلم فيهم الحافظ خارج التقريب" وهذا البحث يعين الباحثين في علم الحديث ويُقَرِّبُ لهم ما بعد، ويُظْهِرُ لهم ما خفي، ويَجمَع لهم ما تفرق، فأكرِم به وأنعِم من بحث مشتمل على فوائد حديثية عظيمة.
ومما يزيد البحث جمالا وقبولا أن الحافظ ابن حجر ﵀ هو ذهبي عصره، بل خاتمة الحفاظ، فعلمه في الجرح والتعديل جدير بالعناية به، ومن العناية به ما قام به أخونا نور الدين حفظه الله، في كتابه المذكور، وأحمد الله الذي جعل من طلاب العلم من يبرون بأهل العلم ويواصلون بعدهم خدمة الإِسلام، ويكملون بعض ما نقص، لا كأولئك الذين يرون الحط من قدر هؤلاء العلماء، ويرون أن "فتح الباري" لابن حجر يحتاج إلى إحراق فهؤلاء خوارج على علم الشريعة وأهلها، كفانا الله شر أنفسنا وأنفس المعتدين على ديننا وعلمائنا.
وكتب هذا:
محمد بن عبد الله الإمام
بتأريخ ١٠/ ١١/ ١٤٣٠
1 / 5
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد؛ فمما لا يخفى ما لعلم الحديث من الأهمية البالغة، والمكانة السامية في علوم الإسلام، وما ذاك إلا لتعلقه الشديد بصميم الدين، فجميع العلوم من عقيدة وفقه وتفسير ولغة في غاية الافتقار إليه والاتصال به لتمييز الصحيح من السقيم والأصيل من الدخيل، "فهو علم قديم الفضل؛ لحاجة السلف إليه، وحثهم عليه، شريف الأصل؛ لأنه نبع من بحر النبوة، وتفرع من دوحة الإسلام، فلا غرو" (١).
وفضائل هذا العلم ومناقبه كثيرة ظاهرة شاهرة، قد أفردت بالتأليف، وبالجملة "كل حديث في العلم وفضله؛ فإنه صادق على علم الحديث، بل هو العلم الحقيقي، والفرد الكامل عند إطلاق لفظ العلم" (٢).
ومن أهم مباحث علم الحديث: علم الرجال والجرح والتعديل الذي أجمع المسلمون على شرعيته، بل ووجوبه للحاجة، فلولا الله ثم هذا العلم الجليل لخبط الناس خبط عشواء واختلط الصحيح بالضعيف، والمصلح بالمفسد، والسني الصادق بالمبتدع الفاجر، والسنة بالبدعة، والحق بالباطل، ولما وصل إلينا هذا الدين غضا طريا كما أراد
_________
(١) من كلام ابن الوزير مع الصنعاني "التنقيح" مع "التوضيح" (١/ ٣ - ٤).
(٢) من كلام الصنعاني في "توضيح الأفكار" (١/ ٥).
1 / 6
الله. قال الإمام ابن حبان ﵀: "ولولا هذه الطائفة وما تطلبه من تمييز الأسانيد؛ لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين كما ظهر في سائر الأمم". "المجروحون" (١/ ٢٥).
ومن أئمة الحديث والعلل والجرح والتعديل: الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام الذي لم يأت بعده في هذا العلم مثله أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ومكانته في هذا العلم أشهر من أن يستدل له.
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
فيالله! كم من معضلة حلها، وكم من مشكلة بينها، وكم من خطأ توارد عليه الفئام من الناس، وربما تواردوه في تصانيفهم؛ قام ببيانه، ورد الحق إلى نصابه، وكتبه شاهدة بذلك، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.
ومما من الله به علي: أن وفقني للمرور على كتبه ﵀ لاستخراج الرواة الذين تكلم فيهم بجرح أو تعديل؛ لما له من الإمامة في هذا الشأن، والقدرة على الحكم على الراوي بما يستحقه، والربط بين أقوال الأئمة التي ظاهرها التعارض في بعض الرواة، مع معرفته القوية باصطلاحاتهم الخاصة منها والعامة، ومراتبهم من حيث الإمامة أو التشدد والتساهل والتوسط، ومن يؤخذ بقوله منهم ومن لا يؤخذ بقوله إما مطلقا أو في بعض الأحيان، مع تمكنه في هذا العلم وطول ممارسته له، بما شهد له بذلك القاصي والداني والمحب والمبغض ﵀.
كان الفراغ من هذا البحث للمرة الأولى عام ١٤٢٢ هـ ثم أعدته للمرة الثانية ورتبته وأمعنت النظر فيه عام ١٤٢٩ هـ مع زيادة ١٠ أيام من شهر محرم ١٤٣٠ هـ.
نور الدين بن علي بن عبد الله السدعي
1 / 7
منهجي في هذا البحث وموضوع الكتاب
إن مما من الله به علي، وله الحمد والمنة: القيام بهذا البحث المبارك الذي أسأل الله أن يجعله وجميع أعمالي خالصة لوجهه الكريم موافقة لهدي نبيه الكريم ﷺ وأن يرزقني فيها التوفيق والسداد، إنه ذو الفضل العظيم.
وكان ابتدائي بالقيام بهذا البحث عام ١٤٢٢ هـ وقد أكملته آنذاك للمرة الأولى في عدة أشهر منذ بدأت فيه.
ثم انقطعت عن ترتيبه وتجهيزه للطبع ببعض الأعمال والأبحاث، ثم في عامي هذا ١٤٢٩ هـ عدت لهذا البحث مرة أخرى.
وملخص عملي فيه ما يلي:
١) مررت على كتب الحافظ ابن حجر ﵀ الموجودة لدينا في مكتبة دار الحديث بدماج مرتين: المرة الأولى: عام ١٤٢٢ هـ والثانية: عام ١٤٢٩ هـ عدا "فتح الباري" فلم أمر عليه؛ لأن بعض الباحثين قد أفرد الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ابن حجر فيه ببحث خاص (١) فاكتفيت بالعزو إلى هذين المصدرين لهما غنمه وعليهما جرمه، وباستثناء بعض كتب الحافظ التي لا تعلق لها ببحثي كـ "إنباء الغمر بأنباء العمر" وباستثناء "تسديد القوس" و"النكت على البخاري" والمجلد ١٦ من "إتحاف المهرة" فما بعده فلم أمر عليها إلا مرة واحدة.
٢) ومن خلال مروري على كتب الحافظ ابن حجر ﵀ على غزارتها العلمية،
_________
(١) سيأتي الكلام عنهما بعد هذا الباب إن شاء الله.
1 / 8
وكميتها الهائلة قمت بفضل الله باستخراج الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ابن حجر ﵀ بجرح أو تعديل إما نصا كأن يقول عن الراوي: "ثقة" أو "ضعيف" وما شابه ذلك، أو إجماليا كأن يقول في حديث من الأحاديث: "رجاله ثقات" أو: "إسناده صحيح" أو: "إسناده حسن" أو: "إسناده قوي" وما شابه ذلك، مما أخذ مني جهدا كبيرا في البحث عن رجال السند فردا فردا لتمييز بعضهم عن بعض، ولا يعرف ما في ذلك من بذل الجهد والوقت إلا من مارس هذا الفن.
وزيادة في الإيضاح: أكتب في ترجمة الراوي الموَثَّق إجماليا في ذلك السند: قال الحافظ في حديث هذا أحد رجال سنده: "رجاله ثقات" أو "إسناده صحيح" وهكذا وما ذاك إلا لأن التوثيق بلفظ العموم ليس كالتوثيق على طريق النص والتخصيص كما سيأتي معنا إن شاء الله التنبيه على ذلك، ولأن الأمر دين ومحافظة على الأمانة العلمية، والإتيان بكلام الحافظ ابن حجر بنصه وفصه لا زيادة فيه ولا نقصان.
ومثله لو حكم الحافظ على جماعة من الرواة بقوله: "ضعفاء" أو: "ثقات" فلا آتي عند كل راو منهم وأقول: قال الحافظ: "ثقة" أو: "ضعيف"، بل أقول قال الحافظ في رواة هذا أحدهم: "ثقات" أو: "ضعفاء".
وهكذا لو قال الحافظ في الراوي: "أحد الضعفاء" فأحكي كلام الحافظ في ترجمته بنصه، دون أن أتصرف فيه بقولي: قال فيه الحافظ: "ضعيف".
وهكذا فيما سوى ذلك فقد حرصت كل الحرص على أداء كلام الحافظ بنصه أداء للأمانة العلمية وحرصا على عدم اختلال المعنى.
غير أني لم أستوعب من كان تعديل الحافظ لهم عن طريق العموم والإجمال؛ لكثرة
1 / 9
ذلك، ولتطلبه مني جهدا كبيرا لا أطيقه، و﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (البقرة: من الآية ٢٨٦).
وبحمد الله فقد قمت باستيعاب جل ذلك، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وبالله التوفيق.
وهنا تنبيه مهم، وهو: أن الحافظ ابن حجر ﵀ ربما حكم على الحديث بصحة سنده أو أن رجاله ثقات دون ذكر منه بسند ذاك الحديث، كأن يقول: "أخرجه الدارقطني بسند صحيح" أو: "رجاله ثقات" فأقوم حينها إلى إخراج الحديث من "سنن الدارقطني" مثلا للوقوف على سند الحديث، ثم أقوم بتمييز الرواة بعضهم عن بعض ثم أفرقهم في أماكنهم الخاصة بهم حسب الترتيب وأقول في ترجمة كل واحد منهم: قال الحافظ في حديث هذا أحد رجال سنده: "سنده صحيح" أو: "رجاله ثقات" وما شابه ذلك، وقد صنعت ذلك في عشرات الأحاديث بفضل الله.
فربما يأتي الباحث ويرجع إلى المصدر الذي نقلت فيه عن الحافظ الحكم على الحديث بأن سنده صحيح أو أن رجاله ثقات، فلا يجد الراوي المُتَرجَم له في ذاك المصدر، إنما يجد الحكم فقط، فإذا صنع ذلك فلا يتعجل، بل يعلم أني رجعت إلى سند الحديث من مصدره الذي عزاه إليه الحافظ، واستخرجت رواة سنده فردا فردا، ولو رجع إلى سند الحديث؛ لوجد الأمر كما قلت، ولوجد الراوي الذي يبحث عنه هو أحد أفراد رجال ذاك السند.
هذا تنبيه في غاية الأهمية.
٣) شرطي في هذا الكتاب: أن لا أذكر إلا راويا حكم عليه الحافظ بن حجر ﵀
1 / 10
بجرح أو تعديل، فلو أن الحافظ مثلا لم يحكم على الراوي من عنده إنما نقل فيه أقوال بعض الحفاظ؛ فلا أذكر الراوي في كتابي هذا، اللهم إلا أن يشارك في ذلك كأن يوجه بعض الجرح الصادر في ذاك الراوي أنه نسبي أو أنه كذا وكذا بما يبين موقف الحافظ من ذاك الراوي فحينئذ أنقل ترجمة ذاك الراوي وتكون داخلة في شرطي.
أما لو استطردت بذكر كل من تكلم فيه الحافظ ولو كان مجرد ناقل عن غيره لبلغ الكتاب عدة مجلدات، وللزمني نقل "تهذيب التهذيب" و"لسان الميزان" و"تعجيل المنفعة" برمتها.
٤) الرجال الذين في هذا الكتاب منهم من هو من رجال من "التقريب" وقد بلغ عددهم (٢١٩٩) ومنهم من هو من غير رجال "التقريب" وقد بلغ عددهم (١٤٨٠) فبلغ عدد الجميع (٣٦٧٩):
وقد قسمت الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: للرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ﵀ ممن هم من رجال "التقريب"، فأنقل ترجمة الراوي مختصرة من "التقريب" بما يميزه عن غيره من الرواة مع نقل حكم الحافظ عليه، ثم أنقل حكم الحافظ عليه خارج "التقريب"، وقد سرت فيه على ترتيب الحافظ في "التقريب" حذو القذة بالقذة في الترتيب، فمن ترجم له الحافظ في الكنى دون الأسماء؛ ترجمت له في الكنى، وهكذا عكسه، ومن ترجمه في النسب جعلته في النسب، وهكذا.
القسم الثاني: من تكلم فيه الحافظ ممن هم من غير رجال "التقريب"، وكان ترتيبي لهم على حروف الهجاء؛ لأن حديث: "خير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد" لا أصل له، والله
1 / 11
المستعان.
وكان ترتيبي لأسمائهم على حروف الهجاء لاسم الراوي وأبيه فقط دون التزام ذلك مني في الجد.
٥) قد يحكم الحافظ على الراوي في عدة مواضع من كتبه بأحكام مختلفة متباينة؛ فأقوم بترتيبها، وشرطي في ذلك في ألفاظ التعديل: أن أبدأ بذكر الأعلى منها حتى أصل إلى أدناها، فلو قال في الراوي مثلا: "ثقة ثبت" وأخرى: "ثقة" وأخرى: "صدوق" أبدأ بنقل أعلاها مرتبة ثم التي تليها حتى أصل إلى أدناها مرتبة التي هي "صدوق" في هذا المثال، وهكذا تماما في الجرح، فلو قال الحافظ في أحد الرواة مثلا: "فيه ضعف" وأخرى: "سيء الحفظ" وأخرى: "ضعيف" وأخرى: "ضعيف جدا" وأخرى: "متروك"؛ فشرطي في ذلك: أن أبدأ بنقل أقلها جرحا في الراوي التي هي في هذا المثال: "فيه ضعف" ثم التي تليها حتى أصل إلى أشدها التي هي: "متروك" في هذا المثال.
٦) لم أتعرض في بحثي هذا لبيان الصواب في شأن الرواة الذين اختلف حكم الحافظ فيهم ممن ربما حكم عليه تارة أنه صدوق حسن الحديث، وأخرى أنه ضعيف، وربما أخرى بالضعف الشديد؛ لأن ذلك يطول جدا، ويستلزم مني دراسة ترجمة ذلك الراوي مما يضاعف حجم الكتاب، وإنما الذي يهمني هنا هو استيعاب جميع أحكام الحافظ على الرواة مع الأمانة والتحري في النقل وعزو الفائدة إلى موضعها، وللباحث المتمكن أن يأخذ من أحكام الحافظ ما يراه أقرب إلى الصواب، وأنصح في هذا بمراجعة الفصل الذي عقدته في هذا الكتاب لبيان كيفية التعامل مع اختلاف حكم الحافظ أو غيره من الحفاظ على الرواة.
1 / 12
وهكذا لم أتعرض للمراسيل والسماعات، ولعل الله أن ييسر باستدراكها في طبعة أخرى إنه جواد كريم، غير أني قد قمت بفضل الله بجمع السماعات والمراسيل التي ذكرها الحافظ في "تهذيب التهذيب" ضمن بحثي "الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب" ولمناسبتها لهذا البحث جعلتها في آخر فصول المقدمة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وبالله التوفيق.
وكذا لم أتعرض للصحابة أو الرواة المختلف في صحبتهم؛ اكتفاء بـ "الإصابة" للحافظ ﵀.
٧) من المعلوم ما للحافظ ابن حجر ﵀ من رسوخ في هذا العلم ومن قوة من التضلع فيه، بل إنه كما يكرر الإمام الألباني والإمام الوادعي - رحمهما الله -: "لم يأت بعده في هذا العلم مثله" وذلك أوضح من أن يستدل له فهو كلمة إجماع عند الموافق والمخالف، وقد حازت كتبه قصب السبق في هذا الشأن، وتحرير قواعد هذا الفن، وصارت محل إعجاب وإجلال، وتدريس وتعليم، وشرح بين أيدي علماء الحديث.
ولذلك كله فقد تضمن هذا البحث المبارك المنتخب من كتب الحافظ ابن حجر ﵀ العديد من الفوائد والدرر والقواعد والتحقيقات العلمية في مسائل علم الحديث، وبالأخص علم الجرح والتعديل، ولأهمية ذلك، وكونها مبثوثة في تراجم الرواة من هذا الكتاب، قمت بجمع أكثرها وترتيبها في عدة فصول وجعلتها في مقدمة هذا الكتاب، أسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير.
1 / 13
ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر
بما أن هذا البحث يعد خدمة لعلوم الحافظ ابن حجر ﵀؛ فقد أحببت أن لا يخلو الكتاب من ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر ﵀ مع كونه أشهر من نار على علم، وقد رأيت أن أسوق ترجمته من "البدر الطالع" للإمام الشوكاني ﵀ فقد أحسن فيها وأجاد حيث قال ﵀:
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الشهاب أبو الفضل الكناني العسقلاني القاهري الشافعي - المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه - الحافظُ الكبير الشهير الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخرة.
ولد في ثاني عشر شعبان سنة (٧٧٣) ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر، ونشأ بها يتيما في كنف أحد أوصيائه، فحفظ القرآن وهو ابن تسع، ثم حفظ "العمدة" و"ألفية الحديث" للعراقي و"الحاوي الصغير" و"مختصر ابن الحاجب" في الأصول و"الملحة"، وبحث فى ذلك على الشيوخ، وتفقه بالبلقيني والبرماوي وابن الملقن والعز بن جماعة وعليه أخذ غالب العلوم الآلية والأصولية كـ "المنهاج" و"جمع الجوامع" و"شرح المختصر" و"المطول"، ثم حبب الله إليه فن الحديث فأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة (٧٩٣) وما بعدها، فعكف علي الزين العراقي وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندًا ومتنا وعللًا واصطلاحًا، وارتحل إلى بلاد الشام والحجاز واليمن ومكة وما بين هذه النواحي، وأكثر جدًا من المسموع والشيوخ، وسمع العالي والنازل، واجتمع له عن ذلك ما لم يجتمع لغيره، وأدرك من الشيوخ جماعةً، كل واحد رأسٌ في فنه الذي اشتهر به، فالتنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في الحديث، والبلقيني في سعة
1 / 14
الحفظ وكثرة الإطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف، والمجد صاحب "القاموس" في حفظ اللغة، والعز بن جماعة في تفننه في علوم كثيرة، ثم تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعةً وإقراءً وتصنيفًا وإفتاءً، وتفرد بذلك، وشهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد والعدو والصديق حتى صار إطلاق لفظ (الحافظ) عليه كلمة إجماع، ورحل الطلبة إليه من الأقطار، وطارت مؤلفاته في حياته وانتشرت في البلاد وتكاتبت الملوك من قطر إلى قطر في شأنها، وهي كثيرة جدًا منها ما كمل، ومنها ما لم يكمل، وقد عددها السخاوي فى "الضوء اللامع"، وكذلك عدَّدَ مصنفاتِه في الأربعينيات والمعاجم وتخريج الشيوخ والأطراف والطرق والشروح وعلوم الحديث وفنونه ورجاله في أوراق من ترجمته، ونقل عنه أنه قال: "لست راضيا عن شيء من تصانيفي؛ لأني عملتها في ابتداء الأمر ثم لم يتهيأ لي من يحررها معي سوى "شرح البخاري" و"مقدمته" و"المشتبه" و"التهذيب" و"لسان الميزان"" وروى عنه في موضع آخر أنه أثنى على "شرح البخاري" و"التغليق" و"النخبة"، ولا ريب أن أجل مصنفاته "فتح الباري"، وكان شروعه في تصنيفه سنة (٨١٧) على طريق الإملاء ثم صار يكتب من خطه يداوله بين الطلبة شيئا فشيئا، والاجتماع في يوم من الأسبوع للمقابلة والمباحثة إلى أن انتهى في أول يوم من رجب سنة (٨٤٢)، سوى ما ألحق فيه بعد ذلك، وجاء بخطه في ثلاثة عشرة سفْرًا، وبيض في عشرة وعشرين وثلاثين وأقل وأكثر، وقد سبقه إلى هذه التسمية شيخه صاحب "القاموس" فإنه وجد له في أسماء مصنفاته أن من جملتها "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" وأنه كمل ربعه في عشرين مجلدًا، وله مؤلفات في الفقه وأصوله والعروض والآداب سردها السخاوي وقال بعد ذلك: "إنها تهادت تصانيفه
1 / 15
ك بسؤال علمائهم لهم في ذلك حتى ورد كتاب في سنة (٨٣٣) من شاه رخ بن تيمور ملك الشرق يستدعي من السلطان الأشرف برسباي هدايا من جملتها "فتح الباري" فجهز له صاحب الترجمة ثلاث مجلدات من أوائله ثم أعاد الطلب في سنة (٨٣٩) ولم يتفق أن الكتاب قد كمل فأرسل إليه أيضًا قطعة أخرى، ثم في زمن الطاهر جقمق جهزت له نسخة كاملة، وكذا وقع لسلطان الغرب أبي فارس عبد العزيز الحفصي فإنه أرسل يستدعيه فجهز له ما كمل من الكتاب، وكان يجهز لكتبة الشرح ولجماعة مجلس الإملاء ذهبًا يفرق عليهم هذا ومصنفه حى ﵀، ولما كمل "شرح البخاري" تصنيفًا وقراءة عمل مصنفه ﵀ وليمة عظيمة بالمكان الذي بناه المؤيد خارج القاهرة في يوم السبت ثامن شعبان سنة (٨٤٢) وقرأ المجلس الأخير هنالك وجلس المصنف على الكرسي، قال تلميذه السخاوي: "وكان يومًا مشهودًا لم يعهد أهل العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء وقال الشعراء في ذلك فأكثروا وفرق عليهم الذهب، وكان المستغرق في الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار.
وكان للمترجَم له يد طولى في الشعر قد أورد منه جماعة من الأدباء المصنفين أشياء حسنة جدا كابن حجة في "شرح البديعية" وغيره، وهم معترفون بعلو درجته في ذلك.
وقد كان ﵀ مصمما على عدم الدخول في القضاء ثم قدر أن المؤبد ولاه الحكم في بعض القضايا ثم عرض عليه الاستقلال به، وألزم من أحبائه بقبوله فقبل، واستقر في المحرم سنة (٨٢٧) بعد أن كان عرض عليه قبل ذلك وهو يأبى، وتزايد ندمه على القبول لعدم فرق أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم ومبالغتهم في اللوم لرد إشاداتهم وإن لم تكن على وفق الحق، واحتياجه لمداراة كبيرهم وصغيرهم بحيث لا يمكنه مع
1 / 16
ذلك القيام بما يرومونه، وصرح بأنه جنى على نفسه بذلك، ولم يلبث أن صرف ثم أعيد ولا زال كذلك إلى أن أخلص في الإقلاع عنه عقب صرفه في جمادى الآخرة سنة (٨٥٢) وجميع مدد قضائه إحدى وعشرون سنة.
وقد درس بمواطن متعددة واشتهر ذكره وبعد صيته وارتحل إليه العلماء وتبجح الأعيان بلقائه والأخذ عنه، وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وألحق الأصاغر بالأكابر وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته، واستمر على طريقته حتى مات في أواخر ذى الحجة سنة (٨٥٢) اثنتين وخمسين وثمان مائة، وكان له مشهد لم ير مثله من حضره من الشيوخ فضلًا عمن دونهم، وشهده أمير المؤمنين والسلطان فمن دونهما، وقدم الخليفة للصلاة عليه، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة، وتزاحم الأمراء والكبراء على حمل نعشه.
انتهت ترجمته من "البدر الطالع" (١/ ٨٧ - ٩٢). بتصرف يسير.
1 / 17
الخدمات التي سبقتني إلى هذا البحث
لم أقف حتى الآن على بحث مستوعب لجميع الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ابن حجر ﵀ بجرح أو تعديل، وغاية ما وقفت عليه بحثين كلاهما خاص بالرواة الذين حكم عليهم الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" وهما:
الأول: "تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ في فتح الباري" تأليف نبيل بن منصور بن يعقوب البصارة.
وقد بذل فيه جهدا مشكورا جزاه الله خيرا، وثبتنا الله وإياه، وصرف عنا وعنه كل سوء ومكروه.
الثاني: "توجيه القاري إلى القواعد والفوائد الأصولية والحديثية والإسنادية في فتح الباري" تأليف: حافظ ثناء الله الزاهدي.
جعل فيه مؤلفه في مؤخرة كتابه فصلا خاصا بالرواة الذين تكلم عليهم الحافظ في "فتح الباري"، ومع الجهد الذي بذله مؤلفه إلا أني وقفت له على أخطاء شنيعة في هذا الفصل من ذلك:
أن الحافظ ﵀ ربما نقل في "الفتح" عن بعض الأئمة تضعيف بعض الرواة فيأتي صاحب التوجيه ويعزو هذا التضعيف للحافظ، مع أن الحافظ إنما نقله عن غيره، وفي ذلك تغرير بالقارئ.
من أمثلة ذلك:
١) أن صاحب "توجيه القاري" عزا في كتابه المذكور (٢٦٣) إلى الحافظ أنه قال في صالح بن أبي الأخضر: "لم يكن بالحافظ" وعزا ذلك إلى "الفتح" (٦/ ٥٩٢) وبالرجوع
1 / 18
إلى "الفتح"؛ نجد الحافظ إنما نقل هذا القول عن البيهقي.
٢) وهكذا نقل عن الحافظ في كتابه المذكور (٣٥٠) أنه قال في "الهدي" (٤٠١) عن محمد بن يونس الكديمي: "ضعيف" وبالرجوع إلى "الهدي"؛ نجد الحافظ إنما نقل تضعيف الكديمي عن غيره.
٣) وهكذا عزا إلى الحافظ في كتابه المذكور (٣٢٨) أنه قال في يحيى بن أبي كثير: "مدلس" وعزاه لـ "الفتح" (١٠/ ٣٢٨) ولـ "الهدي" (٣٧٩)، وبالرجوع إلى هذين المصدرين؛ نجد الحافظ إنما عزا هذا القول لغيره.
٤) وهكذا عزا للحافظ في كتابه المذكور (٣٣١) تضعيف يزيد بن أبي زياد وعزا ذلك لـ "الفتح" (١٣/ ٤٢٤) وبالرجوع إلى "الفتح"؛ نجد الحافظ إنما نقل هذا عن غيره، وليس باللفظ الذي نقله صاحب "التوجيه".
٥) وهكذا عزا في "توجيه القاري" (٣٢٦) للحافظ أنه قال في هشيم بن بشير: "لم يخرج له البخاري في الصحيح من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث" وعزاه إلى "الفتح" (٨/ ٤٠٥) وبالرجوع إلى "الفتح"؛ نجد الحافظ إنما نقل هذا عن محمد بن عياش.
وأقبح من هذا أنه ربما عزا للحافظ في بعض الرواة قولًا وبالرجوع إلى "الفتح" نجد الحافظ إنما قال هذا الكلام في راو آخر:
١) فقد عزا صاحب "توجيه القاري" (٣١٢) للحافظ أنه قال في "الفتح" (١٢/ ٨) في محمد بن منصور: "هو أتقن أصحاب ابن عيينة" وبالرجوع إلى الفتح؛ إنما قال هذا الحافظ في عبد الله بن الزبير الحميدي.
1 / 19
٢) وهكذا وهم صاحب "توجيه القاري" فنقل في ص (٢٧٠) من كتابه المذكور عن الحافظ أنه قال في عبد الرحمن بن أبي ليلى: "ضعيف، سيء الحفظ، ضعف لأجله ولم يترك، لم يسمع من معاذ بن جبل" وعزا ذلك إلى "الفتح" (٣/ ٥٣٦، ٤/ ٢١٤، ٦/ ٣٠٧، ٨/ ١٨٢) وبالرجوع إلى هذه المصادر من "الفتح"؛ نجد الحافظ إنما قال هذا في محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الضعيف عدا قوله: "لم يسمع من معاذ بن جبل".
٣) ومن أوهامه أنه عزا في كتابه المذكور (٣٢٠) إلى الحافظ أنه قال في موسى بن عبيدة: "شديد الضعف، ولا حجة فيما تفرد به" وعزا ذلك إلى ستة مواضع من "الفتح" (١/ ١٠٢، ٣/ ٢٢، ٦/ ٥٢٧، ٨/ ٩٢، ٩/ ٥٣٨، ١٢/ ٤٢٠) وبالرجوع إلى هذه الستة المواضع؛ نجد الحافظ إنما قال في موسى بن عبيدة: "شديد الضعف" في موضعين، وبقية المواضع إنما قال فيه: "ضعيف".
ومن أوهامه العجيبة أنه ربما التبس عليه شأن بعض الرواة فيجعلهما اثنين وهما في الواقع واحد، فمن ذلك:
١) أنه ترجم من كتابه المذكور (٣٣٥) لأبي البختري وهب بن وهب القاضي الطائي ترجمتين: الأولى: باسم أبي البختري القاضي، والثانية: باسم أبي البختري الطائي! وهما في الحقيقة واحد.
٢) وهكذا ترجم لمحمد بن الحسن بن زبالة المخزومي المدني من كتابه المذكور (٣٠٨) ترجمتين: الأولى: باسم محمد بن الحسن المدني المخزومي، والثانية: باسم محمد بن الحسن بن زبالة! وهما في الحقيقة واحد.
٣) وهكذا ترجم في كتابه المذكور (٣١٥) لمسلم بن كيسان الأعور ترجمتين: الأولى:
1 / 20