Tuhfa Saniyya
التحفة السنية (مخطوط)
Penyiasat
شرح الجزائري
Nombor Edisi
نسخة مخطوطة
والضرورة قاضية بأنه كثيرا ما نغفل عنها في أثناء الحركة ومع ذلك تصدر تلك الحركة من غير انقطاع ولا فتور خصوصا إذا كانت تلك الحركة مما اعتادته النفس وتمرنت فيه وظاهر أن الحركة الصادرة عن الإرادة الناشية من تصور النفع والغرض يطلق عليها في العرف أنها صادرة بنية تلك المنفعة وأنه عمل بنية وإن ذهل المتحرك في أثنائها عن تصورها وتصور الفعل لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لا ستشعر به ما لم تحدث له إرادة أخرى لاصدار تلك الحركة ناشية من تصور غرض آخر وكما يجوز الذهول في الأثناء مع بقاء الاشتغال بالحركة كذلك يمكن صدورها أيضا بالإرادة لغرض مع الذهول عنهما مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق ولم تحدث إرادة أخرى والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الفرض عند ملاحظة حال الأفعال فحينئذ يجوز أن يصدر العمل لغرض الامتثال والقربة باعتبار تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق وإن اتفق الذهول حين الشروع سيما أيضا في العاديات ولا دليل على البطلان في الفرضين مع صدق العمل بالنية فيهما فإن تمسكوا في اشتراط المقارنة بالاجماع فاثباته في غاية الاشكال إذ لم ينقل من القدماء شئ في أمر النية مطلقا وتحققه على وجه يكون حجة في أعصار الخائضين فيه يكاد يلحق بالمجالات نعم نقل الشهيد في الذكرى عن الجعفي أنه لا عمل إلا بنية ولا بأس إن تقدمت النية على العمل أو كانت معه وهذا تصريح بالخلاف عن المتقدمين ومن ثم عول أكثر المحققين من المتأخرين على سهولة أمرها جدا وأن الاستغراق فيها بهذه التدقيقات المحيرة للعوام مشغلة للقلب عما هو أهم منها من استشعار عظمة المعبود والتفكر في جلاله وكبريائه عز شأنه عند التلبس بالعبادة وفي أثنائها إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه واعلم أن ما حكم به المصنف ومن وافقه من جزئية النية لا ينافي الشرطية التي ذكرها غيرهم فإن كلا من أجزاء المركب يمكن اعتباره شرطا عقليا من حيث إنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود وتسميتها جزء أجود لأنه أدل على مدخليتها في العبادة وألصق بما هو بضده من أنها أشرف الجزئين وخيرهما ففي المشهور المتفق عليه نية المؤمن خير من عمله وذلك لتوقف نفع العمل وهو استحقاق الثواب أو سقوط العقاب أو كلاهما عليها ابتداء واستدامة دون العكس فإن النية وحدها نافعة فعن أبي عبد الله (ع) إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت الله لصلاته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه صدقة وعنه (ع) إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير فإذا علم الله ذلك منه بصدق نية كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله إن الله واسع كريم ولكون الغرض الأصل من العمل بالجوارح إنما هو تأثر القلب بسبب ما بينهما من الارتباط بالميل إليه (تع) والانصراف عن الغير وإلا فالأعمال الجسمانية بأنفسها ليست متعلقة لغرض التكليف ولا موجبة للوصول والزلفى إليه جل شأنه فإن السجود مثلا لم يقصد من حيث إنه وضع للجبهة على الأرض بل لأنه يؤكد صفة التواضع في القلب ويؤثر فيه بالعبودية المقربة إليه سبحانه كما قال الله (تع) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم إذ كان العرب في الجاهلية يلطخون حيطان الكعبة بدماء القرابين فلما حج المسلمون هموا بمثل ذلك فنبههم الله بأن المقصود من القربان ليس اللحوم ولا الدماء ولا هما مما يوجب الوصلة إليه سبحانه ومناولة قربه ورضاه وإنما الموجب لها التقوى التي هي من أفعال القلوب ومن ثم أضيفت إليها في قوله عز وجل ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب والمراد ميلها عن حب الدنيا وبذلها ايثارا لوجه الله وهو الغرض المقصود من القربان وهذا التأثر قد يحصل عند جزم النية والهم وإن عاق عن العمل عائق وإنما الاتيان به يزيده تأكيدا ورسوخا وفي أسرار الأحكام الشرعية لمن عقلها شواهد متواردة على أصالة القصد وتبعية العمل له في الحكم ألا ترى إلى إثم المجامع امرأته المباحة على قصد أنها غيرها فإنه في حكم الزاني بخلاف المجامع غيرها على قصد أنها امرأته فإنه لا إثم عليه فانظر كيف انقلب الحلال حراما والحرام حلالا بسبب النية بل الفعل الواحد يكون طاعة ومعصية بالنية كلطم اليتيم للتأديب أو للتعذيب وفي الحديث أن رجلين قدما إلى خراسان فسئلا الرضا (ع) عن صلاتهما في الطريق فقال لأحدهما كان يجب عليك التقصير لأنك قصدتني وعلى صاحبك التمام لأنه قصد السلطان وما ذكر من الوجهين من أوجه ما قيل في حل الحديث وعن أبي عبد الله (ع) وقد سئل كيف تكون النية خيرا من العمل قال لأن العمل ربما كان رياءا للمخلوقين والنية خالصة لرب العالمين فيعطي عز وجل على النية ما لا يعطي على العمل الحديث وإليه يرجع ما قيل إن طبيعة النية خير من طبيعة العمل وفيه صراحة في معنى التفضيل وسقوط ما قيل من حمل الخبر على الصفة المشبهة والمراد أنها من جملة أعماله التي يثاب عليها وعن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أن النية أفضل من العمل وأما الايراد بأن النية من أفعال القلوب فلا تكون عملا لأنه مختص بالعلاج فهو كما ترى وتمام الكلام في حاشية الأربعين وإذ قد عرفت أن النية هي القصد المخصوص المحرك إلى العمل فاعلم أنه لا يخلو عن قسمين خالص ومشوب لأن الباعث المنهض لآلات القدرة أما أمر واحد بسيط وهو الخالص ويسمى العمل الصادر عنه اخلاصا بالإضافة إلى الغرض المتصور كالقيام للاكرام الصادر ممن دخل عليه مستحقة بزعمه وأما متعدد وهو المشوب كالتصدق على الفقير للفقر والقرابة معا ومثاله من المحسوس أن يتعاون اثنان على حمل شئ بمقدار من القوة كافية في حمله لو انفردت وهو يتصور على وجهين فإنه إما أن لا يستقل شئ منهما بالانهاض كما لو تعاون ضعيفان على الحمل بحيث لو أنفرد أحدهما لم يطق و يعرف بالامتناع عند الانفراد فلو تعرض له الفقير الأجنبي أو القريب الغني لم يتصدق عليهما ولكن اجتماع السببين يدعوه إلى البذل ويسمى مشاركة الباعث أو يستقل أحدهما به وهذا أيضا على أحد وجهين لأنه إما أن يفرض كل منهما متساويا مع الآخر في السببية والتحريك كما لو تعاون قويان على الحمل ولو أنفرد به كل منهما أمكنه ذلك ولم يتعذر عليه ويسمى مرافقة الباعث أو متفاوتا بأن يكون أحدهما قويا مستقلا لو أنفرد بنفسه والثاني ضعيفا غير مستقل ولكن لما انضاف إليه لم ينفك عن تأثير بالإعانة والتسهيل ويسمى هذا معاونة فالباعث الثاني أما أن يكون شريكا أو رفيقا أو معاونا وهي أقسام النية المشوبة
Halaman 74