قال المدائني عمن أخبره: دفع هارون يحيى إلى جلاد يقال له: أسلم أبو المهاصر، فحبسه عنده، قال: وكان الرشيد يركب حمارا ويدور في القصر فيسأل أسلم عن خبره فيخبره، فقال له يوما أنه يطبخ قدرا في كل يوم بيده ووصف له صفتها، فقال الرشيد.
..إلى قوله: فاذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: أطعمنا من قدرك، قال: فأتاه فقال له، فأخذ قصعة له من خشب فغسل داخلها ثم غرف أكثر القدر وبعث به إليه، فلما جاءه به أمر أن يؤتى بخبز وأكل به حتى بقيت قطعة بصل في جنب القصعة، فأتبعها بلقمة حتى أخذها، ثم دعا مسرورا الكبير، فقال: احمل إلى يحيى ألف خلعة من كل فن سري من الثياب الفاخرة، مع ألف خادم فاره كل خلعة ثلاثة أثواب، وانشرها كلها عليه، وعرفه أثمانها، ومن أهداها لنا، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين، جعلناها مكافأة لك على ما أطعمتنا حتى تأتي على آخرها.
قال: فأتاه مسرور بالخلع والخدم، وأبلغه الرسالة، وهو مطرق ما ينطق ولا ينظر، قال: وأحس يحيى بالشر منه لما أتاه بذلك، وأيقن أنه معذب مقتول، قال: فرفع رأسه، فقال: قل لأمير المؤمنين، إنما ينتفع بهذا من له في الحياة طمع ونصيب، ومن كان آمنا على نفسه راجيا لبقائه، فأما المحبوس المقهور الخائف المأسور، المرتهن بسعايا البغاة بغير ما جنت يداه، فاتق الله يا أمير المؤمنين ولا تسفك دمي، واحفظ رحمي وقرابتي فإني في شغل عما وجهت به إلي.
قال مسرور: فرققت له، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: لا ولا كرامة لا أقول لأمير المؤمنين من هذا شيئا، فقال يحيى: هذا من ذاك الذي أتخوفه وأشفق منه.
Halaman 139