الإعطاء، فعلم أن قوله: «إلا كما ينقص المخيط» الخ، ليس المراد منه حقيقته وإنما هو تمثيل يقرب إلى الفهم» (١).
إن هذا الحديث يدلُّ على كمال غنى الله ﷾ وافتقار عباده إليه، وأنَّ الجنَّ والإنس لو اجتمعوا أوَّلهم وآخرهم، وسأل كلُّ ما يريد، وحقَّق الله لهم ذلك، لم ينقص ذلك ممَّا عند الله إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، والمعنى أنَّه لا يحصل نقصٌ أصلًا؛ لأن ما يعلق بالمخيط - وهو الإبرة - من الماء لا يعتبر شيئًا، لا في الوزن ولا في رأي العين.
قال ابن القيم ﵀: «فتأمل ظهور هذين الاسمين اسم الرزاق واسم الغفار في الخليقة ترى وما يعجب العقول وتأمل آثارهما حق التأمل في أعظم مجامع الخليقة وانظر كيف وسعهم رزقه ومغفرته ولولا ذلك لما كان له من قيام أصلًا فلكل منهم نصيب من الرزق والمغفرة فإما متصلًا بنشأته الثانية إما مختصًّا بهذه النشأة» (٢).
فلا تشغل همَّك بما ضمن لك من الرزق، فرزقك لا يغدو لغيرك، ورزق غيرك لن يصلك، ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (٣).
لا يأكل أحد رزق أحد، ولا يزاحمه فيه، قال سبحانه: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ (٤).
وخزائن رزقه ﷾ لا تنفد: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ