37

Bau Itu

تلك الرائحة: وقصص أخرى

Genre-genre

سمعت صوته ينادي علي ككل ليلة، وشعرت بالأسى ككل ليلة. أعطيت البلي لأصدقائي، واحتفظت بواحدة في لون السماء الصافية. وسرت إلى منزلنا فصعدت درجه الضيق إلى الطابق الأخير.

وجدت باب شقتنا مفتوحا ومصباح الصالة مضاء، واتجهت إلى المطبخ. كان صوت أختي يأتي من الشقة المجاورة لنا حيث تلعب مع أولاد أم زكية. اغتسلت بصنبور حوض المطبخ، وهو الحوض الوحيد في شقتنا، ثم هرعت إلى البلكونة.

كان الظلام قد لف كل شيء. وأضاء مصباح الصالة جانبا من البلكونة، لكن أبي كان يجلس في الجزء المعتم منها. ووقفت في مدخل البلكونة أتأمله، ولم ألبث أن شعرت بالراحة. كان وجهه هادئا مسترخيا، ونظرته وادعة سرحانة.

جلست إلى جواره في صمت. كنت متعبا، وكان هو غارقا في تأملاته. وبين الحين والآخر كانت عيناه تستقران على إحدى النوافذ المضيئة المواجهة لنا فيتابع ما يبدو من خلالها، وهو يجذب أنفاس سيجارته متلذذا.

سمعت حركة خلفي في الصالة. كانت أختي قد جاءت من عند أم زكية، احتضنها أبي وحملها فوق ساقيه، لكنها أعلنت أنها تريد أن تنام، فأنزلها على الأرض ووقف، وصحبها إلى الداخل، ثم عاد بعد قليل، فتناول قلة المياه التي وضعناها على سور البلكونة لتبرد، وأزاح غطاءها، وجعل يكرع الماء في صوت وادع.

التقطت أذناي صوت الراديو في شقة أم زكية، فقمت وأنا أقول: «أنا رايح أنام، تصبح على خير يا بابا.»

كان أبي قد عاد إلى مقعده فاقتربت منه وملت عليه ثم قبلت وجنته، وقال: «وأنت من أهله.»

عبرت الصالة الصغيرة التي لم يكن بها غير مقعد هزاز تمزق قشه من زمن، وساعة حائط كبيرة. ودخلت حجرتنا فوجدت أختي غارقة في النوم، وقد رقدت على ظهرها وتناثر شعرها الطويل حول رأسها، وثنت ساقها إلى أعلى ووضعت الثانية فوقها. ومددت يدي فأطفأت النور ثم خطوت ناحية السرير فصعدت فوقه وتمددت بجوارها. وهبت على وجهي نسائم خفيفة من النافذة الصغيرة في مواجهتي فأغمضت عيني.

كنت أحب أن أنام كل ليلة في الظلام والنافذة مفتوحة وصوت الراديو يأتيني واضحا من شقة أم زكية، التي تجاور نافذتها نافذتنا الصغيرة.

وكانت أم زكية لا تدير الراديو إلا عندما ينام أولادها وتجلس في انتظار زوجها. كان رجلا أسمر خجولا، أحول العينين، لا نكاد نشعر به، ويقضي اليوم كله بالخارج. وقد سمعت أبي مرة يتعجب مما جمع بينه وبين زوجته البيضاء الممتلئة.

Halaman tidak diketahui