192

فقال الملك: «كلا وربي، إني لأحب هذه الأبيات الطويلة ذات الرنين، وأرى أنها أكثر ائتلافا مع نغم الموسيقى من الأبيات القصيرة.»

فأجابه بلندل قائلا: «لنا في كليهما حرية الوزن كما تعرف جلالتك جيدا.»

فقال رتشارد: «أجل إنهما لكذلك يا بلندل، ولكني أظن رغم هذا أن المنظر - إذا كان فيه احتمال القتال - يتسق خير اتساق مع البحر الطويل والأبيات الرنانة التي لها جرس كانطلاق الفرسان. أما الوزن الآخر فليس إلا كسير خيول الآنسات لينا وانحرافا.»

فرد عليه بلندل وقال: «لتكن إرادة جلالتك.» وشرع يقدم للنشيد من جديد.

وقال الملك: «أجل، ولكن هلا أرهفت خيالك أولا بقدح من نبيذ «كيوس». أصغ إلي، إني أريدك أن تطرح عنك هذه القيود الجديدة التي كبلت بها نفسك، وهي انتهاؤك بقواف متشابهة محكمة، فما هي إلا قيود لخيالك المتدفق تجعلك أشبه برجل يرقص في الأصفاد.»

فقال بلندل: «إن الأصفاد يتيسر على الأقل نزعها.» وشرع يجيل أصابعه ثانية بين الأوتار كأن العزف أحب إليه من النقد.

وواصل الملك كلامه وقال: «لم تكبل نفسك بها يا رجل؟ لم ترمي بنبوغك في سوار من حديد؟ إني لأعجب لك كيف تقدمت، وإني على يقين أني ما كنت بمستطيع أن أنشد بيتا واحدا في هذا البحر المقيد.»

فحسر بلندل بصره، واشتغل بأوتار قيثارته كي يخفي بسمة ارتسمت على طلعته رغما عنه، ولكنها لم تغب عن عين رتشارد.

فقال: «أقسم يا بلندل أنك لتضحك مني، وحقا إن كل من يزعم أنه أستاذ - وهو لم يزل تلميذا - لقمين بالسخرية. ولكنا نحن الملوك نكتسب حسن الظن بالنفس، وهي عادة ذميمة. هيا، وشنف آذاننا بغنائك يا عزيزي بلندل، وغننا كما شئت، فإنه لخير مما نقترح، وإن يكن لا بد لنا من التعليق.»

فعاود بلندل الغناء، ولما كان يألف ارتجال النشيد فإنه لم يعجز عن أن ينصاع لما أشار به الملك، وربما سره أن يبين السهولة التي يستطيع أن يكيف بها القصيد من جديد حتى وهو يلقيه.

Halaman tidak diketahui