فقال الملك: «عني، عني، إن هذا إلا علم المشركين، علم لا يمارسه المسيحيون ولا يصدق به الحكماء، وإنما أنت أيها الرجل الهرم تهرف وتقول هراء.»
فأجاب الناسك قائلا: «أنا لا أهرف يا رتشارد، ولست بالرجل السعيد، وإنما أنا أعرف حالي، وأعرف أني ما فتئ لي شعاع من نور العقل أستخدمه لا لنفعي، وإنما لصالح الكنيسة ورفع الصليب. أنا ذلك الرجل الأعمى الذي يحمل النور لغيره ولا يستضيء به. سلني عما يتعلق بخير العالم المسيحي والحرب الصليبية أحدثك كأحكم ناصح ما فارقت لسانه قط الهداية والإرشاد، وحدثني عن حياتي التعسة تجد كلماتي كلمات المعتوه المنبوذ، وما أنا إلا كذلك.»
فقال رتشارد وقد خفض من نغم كلامه وأسلوب حديثه: «لن أفصم عرى الوحدة بين الأمراء الصليبيين، ولكن أية معذرة يقدمون لي للظلم والإهانة التي عانيت؟» «وفي ذلك أنا على أهبة أن أتحدث إليك، وقد فوضني في هذا الشأن المجمع، بعد أن التأم على عجل - بدعوة من فيليب ملك فرنسا - وأصدر في هذا الأمر قراره.»
فأجاب رتشارد: «عجيب أن يتشاور الآخرون في أمر هو من حق جلالة إنجلترا الجريحة!»
وأجاب الناسك بقوله: «هم يريدون أن يتعرفوا مطالبك إن أمكن هذا، وهم جميعا متفقون على أن راية إنجلترا ينبغي أن ترد إلى جبل سنت جورج، ويحبون أن يحكموا بالإدانة والحرمان على ذلك الآثم الجريء، أو أولئك الآثمين الجسورين، الذين انتهكوا حرمتها، وسيعلنون عن ثواب جزيل لمن يفضح جرم الآثم، ثم يقدمون لحمه طعاما للذئاب والغربان.»
فقال رتشارد: «وما الرأي في دوق النمسا الذي تلابسنا أقوى الظنون بأنه هو الذي فعل ذلك الصنيع؟»
فرد عليه الناسك قائلا: «إن دوق النمسا سوف يخضع لما يفرض عليه بطريق بيت المقدس من محن، كي يزيل ما يحيط به من الظن والريبة، وذلك كي لا ينشب في صفوف الجيش خلاف.»
فقال الملك رتشارد: «وهل بالنزال يبرئ نفسه؟»
فأجاب الناسك: «إن اليمين التي أقسم تحرم عليه ذلك، وفضلا عن هذا فإن جميع الأمراء ...»
فعارضه رتشارد وقال: «إن مجمع الأمراء لا يبيح قتال الأعراب ولا قتال أحد من غير الأعراب؛ حسبك هذا أيها الأب، لقد أبنت لي عن الخطأ في متابعة هذا الأمر كما رسمت من قبل. والله لأقرب إليك أن توقد في حمأة الأمطار مشعلك من أن تستخرج من هذا الجبان ذي الدم البارد شرارة من نار. إن النمسا لن تنال شرفا، ولذا فلندعه وشأنه، ولكني - مع ذلك - سوف أجعله يحنث في يمينه، وسوف ألح في امتحانه. والله لسوف يضحكني أن أستمع إلى أصابعه تطقطق حينما يقبض على كرة الحديد المصهورة! أي نعم ولسوف يضحكني أن أرى فمه الكبير يتشقق، وحلقه ينتفخ من الاختناق وهو يحاول أن يبتلع الخبز المقدس!»
Halaman tidak diketahui