وَالْبَارِدِ، وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَإِمَّا مِنْ خَارِجٍ، فَلِأَنَّ مَا يَلْقَاهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوَافِقٍ، وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ سُوءِ الْمِزَاجِ بِخُرُوجِهِ عَنِ الِاعْتِدَالِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَسَادٍ فِي الْعُضْوِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَعْفٍ فِي الْقُوَى، أَوِ الْأَرْوَاحِ الْحَامِلَةِ لَهَا، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى زِيَادَةِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ زِيَادَتِهِ، أَوْ نُقْصَانِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي عَدَمِ نُقْصَانِهِ، أَوْ تَفَرُّقِ مَا الِاعْتِدَالُ فِي اتِّصَالِهِ، أَوِ اتِّصَالِ مَا الِاعْتِدَالُ في تفرقه، او امتاد مَا الِاعْتِدَالُ فِي انْقِبَاضِهِ، أَوْ خُرُوجِ ذِي وَضْعٍ وَشَكْلٍ عَنْ وَضْعِهِ وَشَكْلِهِ بِحَيْثُ يُخْرِجُهُ عَنِ اعْتِدَالِهِ.
فَالطَّبِيبُ: هُوَ الَّذِي يُفَرِّقُ مَا يَضُرُّ بِالْإِنْسَانِ جَمْعُهُ، أَوْ يَجْمَعُ فِيهِ مَا يضره تفرقه، وينقص مِنْهُ مَا يَضُرُّهُ زِيَادَتُهُ، أَوْ يَزِيدُ فِيهِ مَا يَضُرُّهُ نَقْصُهُ، فَيَجْلِبُ الصِّحَّةَ الْمَفْقُودَةَ، أَوْ يَحْفَظُهَا بِالشَّكْلِ وَالشَّبَهِ، وَيَدْفَعُ الْعِلَّةَ الْمَوْجُودَةَ بِالضِّدِّ وَالنَّقِيضِ، وَيُخْرِجُهَا، أَوْ يَدْفَعُهَا بِمَا يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِهَا بِالْحِمْيَةِ، وَسَتَرَى هَذَا كُلَّهُ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَافِيًا كَافِيًا بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَفَضْلِهِ وَمَعُونَتِهِ.
فصل
فَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ فِعْلُ التَّدَاوِي فِي نَفْسِهِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لِمَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ وَلَا هَدْيِ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ الْمُرَكَّبَةِ الَّتِي تُسَمَّى أَقْرَبَاذِينَ، بَلْ كَانَ غَالِبُ أَدْوِيَتِهِمْ بِالْمُفْرَدَاتِ، وَرُبَّمَا أَضَافُوا إِلَى الْمُفْرَدِ مَا يُعَاوِنُهُ، أَوْ يَكْسِرُ سَوْرَتَهُ، وَهَذَا غَالِبُ طِبِّ الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا مِنَ الْعَرَبِ وَالتُّرْكِ، وَأَهْلِ الْبَوَادِي قَاطِبَةً، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِالْمُرَكَّبَاتِ الرُّومُ وَالْيُونَانِيُّونَ، وَأَكْثَرُ طِبِّ الْهِنْدِ بِالْمُفْرَدَاتِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إِلَى الدَّوَاءِ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إِلَى الْمُرَكَّبِ.
قَالُوا وَكُلُّ دَاءٍ قُدِرَ عَلَى دَفْعِهِ بِالْأَغْذِيَةِ وَالْحِمْيَةِ، لَمْ يُحَاوَلْ دَفْعُهُ بِالْأَدْوِيَةِ.
قَالُوا وَلَا يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يَوْلَعَ بِسَقْيِ الْأَدْوِيَةِ، فَإِنَّ الدَّوَاءَ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَدَنِ دَاءً يُحَلِّلُهُ، أَوْ وَجَدَ دَاءً لَا يُوَافِقُهُ، أَوْ وَجَدَ مَا يُوَافِقُهُ فَزَادَتْ كَمِّيَّتُهُ عَلَيْهِ، أو كيفيته،
1 / 9