169

Perubatan Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Penerbit

دار الهلال

Nombor Edisi

-

Lokasi Penerbit

بيروت

الْمَعِدَةِ حَتَّى يَقْسِمَهُ الْكَبِدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَيَنْزِلَ بِسُرْعَةٍ وَحِدَّةٍ إِلَى الْمَعِدَةِ، فَيُخْشَى مِنْهُ أَنْ يُبَرِّدَ حَرَارَتَهَا، وَيُشَوِّشَهَا، وَيُسْرِعَ النُّفُوذَ إِلَى أَسْفَلِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ تَدْرِيجٍ، وَكُلُّ هَذَا يَضُرُّ بِالشَّارِبِ، وَأَمَّا إِذَا فَعَلَهُ نَادِرًا أَوْ لِحَاجَةٍ، لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالْعَوَائِدِ عَلَى هَذَا، فَإِنَّ الْعَوَائِدَ طَبَائِعُ ثَوَانٍ، وَلَهَا أَحْكَامٌ أُخْرَى، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجِ عَنِ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَصْلٌ وَفِي «صَحِيحِ مسلم» مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ» «١» . الشَّرَابُ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَحَمَلَةِ الشَّرْعِ: هُوَ الْمَاءُ، وَمَعْنَى تَنَفُّسِهِ فِي الشَّرَابِ: إِبَانَتُهُ الْقَدَحَ عَنْ فِيهِ، وَتَنَفُّسُهُ خَارِجَهُ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الشَّرَابِ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْقَدَحِ، وَلَكِنْ لِيُبِنِ الْإِنَاءَ عَنْ فِيهِ» «٢» . وَفِي هَذَا الشُّرْبِ حِكَمٌ جَمَّةٌ، وَفَوَائِدُ مُهِمَّةٌ، وَقَدْ نَبَّهَ ﷺ عَلَى مَجَامِعِهَا بِقَوْلِهِ. «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَمْرَأُ وَأَبْرَأُ» فَأَرْوَى: أَشَدُّ رِيًّا، وَأَبْلَغُهُ وَأَنْفَعُهُ، وَأَبْرَأُ: أَفْعَلُ مِنَ الْبُرْءِ، وَهُوَ الشِّفَاءُ، أَيْ يبرىء مِنْ شَدَّةِ الْعَطَشِ وَدَائِهِ لِتَرَدُّدِهِ عَلَى الْمَعِدَةِ الْمُلْتَهِبَةِ دُفُعَاتٍ، فَتُسَكِّنُ الدُّفْعَةُ الثَّانِيَةُ مَا عَجَزَتِ الْأُولَى عَنْ تَسْكِينِهِ، وَالثَّالِثَةُ مَا عَجَزَتِ الثَّانِيَةُ عَنْهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ، وَأَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهَا الْبَارِدُ وَهْلَةً وَاحِدَةً، وَنَهْلَةً وَاحِدَةً. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَرْوِي لِمُصَادَفَتِهِ لِحَرَارَةِ الْعَطَشِ لَحْظَةً، ثُمَّ يُقْلِعُ عَنْهَا، وَلَمَّا تُكْسَرْ سَوْرَتُهَا وَحِدَّتُهَا، وَإِنِ انْكَسَرَتْ لَمْ تَبْطُلْ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ كَسْرِهَا عَلَى التَّمَهُّلِ وَالتَّدْرِيجِ.

(١) أخرجه مسلم في الأشربة. (٢) أخرجه ابن ماجه من حديث رواه الحارث بن أبي ذئاب عن عمه عن أبي هريرة.

1 / 171