بالنسبة إلى الأشخاص الثنائيي الثقافة المنعزلين، قد تأخذ عملية الارتباط بكلتا الثقافتين والاعتراف علنا بأنهم ثنائيو الثقافة بعض الوقت (وليس أنهم لا ينتمون ببساطة لا إلى الثقافة «أ» ولا إلى الثقافة «ب»، كما يقول كثير من الثنائيي الثقافة)، بل إنها قد لا تحدث أبدا في واقع الأمر. يظهر بوضوح أوليفيه تود، الصحفي والكاتب الفرنسي البريطاني، في سيرته الذاتية «بطاقة الهويات»، طوال الوقت أنه كان يبحث عن هويته المزدوجة والمختلطة، على الرغم من حقيقة أنه عندما كان شابا قال له الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر إن مشكلته كانت أنه مقسم بين إنجلترا وفرنسا. يثني تود على المشروعات بين البلدين، مثل نفق المانش، ويشعر بأكبر قدر من الراحة مع الذين يشاركونه إرثه المزدوج؛ والدته وزوجته الأولى آن-ماري، وكثير من أصدقائه الثنائيي الثقافة. وعلى الرغم من أنه فعليا لا يستخدم أبدا مصطلح «ثنائي الثقافة» (وكم شخص من الثنائيي الثقافة يفعل هذا!)، فإن المرء يشعر بوضوح أن هذا ما يطمح إلى أن يتصف به علنا، على الرغم من قوله بأنه فرنسي أكثر قليلا من كونه بريطانيا. (يجب ألا تقف سيادة إحدى الثقافات بأي نحو عقبة في طريق تقبل الثنائية الثقافية للمرء، على الرغم من أن الأمر يكون كذلك بالنسبة إلى البعض.) يتحدث أوليفيه، في جزء مؤثر للغاية من سيرته الذاتية، مع ابنته الصغيرة التي تبناها حديثا، أوريليا، ذات الأصل الهندي قائلا:
أتمنى أن أعود معك إلى الهند يا أوريليا، عندما تصبحين في العشرين أو الخامسة والعشرين من عمرك، فأنا أريدك أن تفخري بكونك فرنسية وهندية.
10
لقد حظيت بشرف لقاء أوليفيه تود قبل تأليف هذا الكتاب، وسألته عن ثنائيته الثقافية. أكدت له على حقيقة أن المرء يمكن أن يكون ثنائي الثقافة في الثقافتين «أ» و«ب»، حتى إن كانت إحدى الثقافتين هي السائدة؛ فأجابني بلطف شديد قائلا إن معي حقا، وإنه بالفعل ثنائي الثقافة.
تحكي الكاتبة فيرونيكا تشامبرز كيف اكتشفت بالتدريج هويتها المزدوجة، وكيف سمحت لها رحلتها إلى بنما بالتحول من «فتاة سمراء وحيدة لديها إرث لاتيني مثير، إلى شخص أصبح جزءا من قبيلة لاتينية زنجية أو أحد البنميين الذين من أصل أفريقي.» وتضيف قائلة:
سعدت كثيرا عندما علمت بوجود مجتمع لأناس مثلي؛ فقد كان الجميع من السود، ويتحدثون الإسبانية، ويرقصون مثلما نرقص في وقت الاحتفالات في بروكلين.
11
تقترح اختصاصية علم النفس الإرشادي، تريزا لافرامبويز، وزملاؤها، وجود ستة عوامل تساعد الأشخاص الثنائيي الثقافة على تقبل ثنائيتهم الثقافية والتعايش معها بالكامل؛ وهي: الفهم الجيد للثقافتين المعنيتين، وتكوين موقف إيجابي تجاه كلتيهما، والشعور بالثقة من أن المرء يمكنه الحياة على نحو جيد في ظل كلتيهما، والقدرة على التواصل لفظيا وغير لفظي في كلتا الثقافتين، ومعرفة السلوك المناسب استخدامه ثقافيا في كل منهما، والتمتع بشبكة اجتماعية جيدة في الثقافتين.
12
أختتم هذا الفصل بملاحظة شخصية: عندما أتحدث عن الثنائية الثقافية أو أكتب عنها، يخبرني البعض بأنني متفائل للغاية، وأن «الأمور ليست بمثل هذه السهولة»، ونظرا لمروري بصراع التحول إلى ثنائي الثقافة، أتفق مع هذه الملاحظة الأخيرة ولا أدعي أن الطريق يخلو من العقبات؛ ومع ذلك أجيب أيضا على هذا بأن الكثير من الأشخاص الثنائيي الثقافة لا يحصلون على مساعدة كافية للوصول لهويتهم المزدوجة وتقبلها، وعلى الرغم من ذلك، يصل البعض إلى تقبل ثنائيتهم الثقافية، على الرغم من احتمال ألا تتقبلهم الثقافتان اللتان ينتمون إليهما على هذا النحو. إن للأشخاص الثنائيي الثقافة أهمية بالغة في عصرنا الحالي؛ فهم يمثلون جسورا بين الثقافات التي ينتمون إليها، وهم وسطاء مفيدون يستطيعون شرح إحدى الثقافات لأعضاء الثقافة الأخرى، ويؤدون دور الوساطة بين الثقافتين. قال أحد الذين أجرى معهم بول بريستون مقابلة في دراسته: «نحن نستطيع رؤية كلا الجانبين لأننا نوجد على كلا الجانبين.»
Halaman tidak diketahui