وقاطعه حامد شاكرا: أبدا، أبدا يا محسن، لقد أعددت نفسي تماما ولكن ... - ماذا؟ - كنت نويت ألا اذكر هذا الطلب. - ولماذا يا أخي؟ - والله الحكاية الأخيرة هذه، أظن لا يجوز لي أن أرجو في شيء وأنتم مشغولون بأمر فايزة. - إننا نحيا على كل حال يا أستاذ حامد. قل ماذا تريد؟ - أختي. - ما لها؟ - تعرف القراءة والكتابة وتريد أن تجد عملا، فإذا استطاع البك الوالد أن يجد لها عملا في مستشفى مثلا أو شيئا كهذا أكون شاكرا. - بالطبع سأبلغه، سافر وأنت مطمئن.
وقال خيري: اطمئن يا أستاذ حامد، سأضم رجائي إلى رجاء محسن وألح على عمي عزت بك. - شكرا، أستأذن أنا.
وقال خيري: كنت أنوي والله أن أسافر معك إلى الإسكندرية لأودعك، ولكن لا أستطيع ترك محسن وحده في هذه الأيام. - أنا أعرف شعورك تماما يا خيري، وأعتبرك أخي الأصغر، وأنت بتفكيرك هذا كأنك ودعتني في الإسكندرية. السلام عليكم.
ومد حامد يده وشد على قبضة خيري في حب وود، وصافح محسن وخرج. وخلت الغرفة بالصديقين مرة أخرى، وانفرد بهما الصمت فترة طويلة، ثم قال خيري: ربنا يوفقه.
ولكن محسن قال، وكأنما تذكر شيئا كان غائبا عنه: الله، خيري، ألم يقل إن أخته تريد أن تعمل؟ - نعم. - فلماذا لا ترافق فايزة؟ فنحن نريد لها مرافقة. - أتظنه يرضى؟ - ولم لا؟ - فعلا، ولم لا؟ سأذهب إليه. - أتعرف بيته؟ - نعم، كثيرا ما أوصلته إليه بالسيارة.
الفصل الحادي عشر
أجابت دولت الطرق فانفرج الباب عن شاب، رجل، رجل في بواكير الشباب الأولى، مشرق الوجه، وامض العينين، طويل القامة، باسم الثغر، شديد العناية بهندامه وبطربوشه، يميله إلى الناحية اليمنى من رأسه إمالة هينة ما تكاد تلحظ. ورأت في عينيه السوداوين خجلا، وفي وجهه المشرق مبادئ احمرار، وفي فمه كلاما يتردد بين الانطلاق والاختفاء. ثم رأت في عينيه إعجابا يكتمه ولكنها أدركته، طارق جديد على البيت لم يعهده البيت. نظرت إليه مليا، وسمحت للإعجاب الذي خالط نفسها أن يبدو في عينيها دون أن تخفيه، ثم قالت في غنة حلوة تعودت أن تنغم بها حديثها كلما خلت إلى أحلامها مع الرجال: نعم؟
وقال خيري وهو يرنو إليها ثم يخفض بصره كلما طالعته نظرتها الجريئة: منزل الأستاذ حامد عبد الكريم؟ - نعم هو، تفضل. - لا، أشكرك، الأستاذ موجود؟ - سيأتي حالا، تفضل. - أين أجده؟ - لن يغيب، تفضل بالدخول.
ولم يستطع خيري إلا أن يتفضل بالدخول، وكيف يستطيع أن يصدف عن هذه الدعوة المنغومة الحلوة. إنها الأنثى في جلالها، في ذروة عنفوانها وقوتها، شباب ريان كالنبت الأخضر الغض تيقظ في بواكير الفجر والندى يتلألأ على أوراقه، وعينان جريئتان كالأمر، كالقوة، كالسلطان، وعود مزدهر مرسوم يدق حيث ينبغي له أن بدق، ويمتلئ حيث يجمل به أن يمتلئ، فارع مياد هفهاف كالفرحة النشوانة، كالأمل، كالشباب، وثديان جديدان كالرجاء المجاب، كالرغبة المحققة.
لم يكن بد من أن يتفضل، ودخل.
Halaman tidak diketahui