وَمِنْهَا كَونهم قبْلَة الْعَرَب وَمَوْضِع الْحَج الْأَكْبَر يُؤْتونَ من كل أَوب بعيد وفج عميق فَترد عَلَيْهِم الْأَخْلَاق والعقول والآداب والألسنة واللغات والعادات والصور وَالشَّمَائِل عفوا بِلَا كلفة وَلَا غرم وَلَا عزم وَلَا حِيلَة فيشاهدون مَا لم تشاهده قَبيلَة وَلَيْسَ من شَاهد الْجَمِيع كمن شَاهد الْبَعْض وَلَا المجرب كالغمر وَلَا الأريب كالعتل فكثرت الخواطر واتسع السماع وأنفسحت الصُّدُور بالغرائب الَّتِى تتَّخذ والأعاجيب الَّتِى تحفظ فثبتت تِلْكَ الْأُمُور فِي صُدُورهمْ وأضمرت وتزاوجت فتناتجت وتوالدت وصادفت قريحة جَيِّدَة وطينة كَرِيمَة وَالْقَوْم فِي الأَصْل مرشحون لِلْأَمْرِ الجسيم فَلذَلِك صَارُوا أدهى الْعَرَب وأعقل الْبَريَّة وَأحسن النَّاس بَيَانا وصارا أحدهم يُوزن بِأمة من الْأُمَم وَكَذَلِكَ ينبغى أَن يكون الإِمَام فَأَما الرَّسُول ﷺ فقد كَانَ يزن جَمِيع الْأُمَم
وَمِنْهَا ثبات جودهم وجزيل عطاياهم واحتمالهم الْمُؤَن الْغِلَاظ فِي أَمْوَالهم المكتسبة من التِّجَارَة وَمَعْلُوم أَن الْبُخْل وَالنَّظَر فِي الطفيف مقرون بِالتِّجَارَة الَّتِى هى صناعتهم والتجار هم أَصْحَاب التربيح والتكسب والتدنيق والتدقيق وَكَانَ فِي اتِّصَال جودهم العالي على الأجواد من قوم لَا كسب لَهُم من التِّجَارَة عجب من الْعجب وأعجب من ذَلِك أَنهم من بَين جَمِيع الْعَرَب دانوا بالتحمس والتشدد فِي الدّين فتركوا الْغَزْو كَرَاهَة للسبي وَاسْتِحْلَال الْأَمْوَال فَلَمَّا زهدوا فِي الغصوب لم يبْق مكسبة سوى التِّجَارَة فَضربُوا فِي الْبِلَاد إِلَى قَيْصر بالروم وَالنَّجَاشِي بِالْحَبَشَةِ والمقوقس بِمصْر وصاروا بأجمعهم
1 / 11