189

The Tatars from the Beginning to Ain Jalut

التتار من البداية إلى عين جالوت

Genre-genre

معركة بيسان وإبادة جيش التتار كان التتار يقطعون الأرض شمالًا، والمسلمون لا يتركونهم، ووصل التتار الفارون إلى بيسان، وهي على بعد حوالي (٢٠) كيلو متر شمال شرق عين جالوت، فوجدوا أن المسلمين جادون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد للقتال، ولتدور موقعة أخرى عند بيسان، أجمع المؤرخون على أنها أصعب من عين جالوت وقاتل التتار قتالًا رهيبًا، ودافعوا عن حياتهم بكل قوة، وبدءوا يضغطون على المسلمين، وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالًا شديدًا، وكانت هذه اللحظات من أحرج اللحظات في حياة القوات الإسلامية مطلقًا، ورأى قطز ﵀ كل ذلك، فهو لم يكن أبدًا قريبًا من الأحداث، وإنما كان في وسطها ﵀، فانطلق ﵀ يحفز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة مرة أخرى وقال: وا إسلاماه، وا إسلاماه، وا إسلاماه، قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرع: يا الله! انصر عبدك قطز على التتار. الله أكبر، ما أحسن اعترافك يا قطز بعبوديتك في هذا المقام! فلستُ أنا الملكَ المظفر، ولستُ أنا أميرَ المسلمين، ولستُ أنا سلطانَ مصر، وإنما أنا عبدك. ويا أيها المؤمنون الصادقون! كيف يلجأ العبد بصدق إلى الله ﷿ ويتركه الله ﷿؟ هذا أبدًا لا يكون. دق قطز ﵀ على الباب الذي ما طرقه صادق إلا وفُتح له، وتقرب ﵀ إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، وعندما يخشع ملوك الأرض فلابد أن يرحم جبار السماوات والأرض، وكان خشوع قطز الصادق هو الجبل الذي وقع على جيش التتار، فأهلكهم بكاملهم، فما إن انتهى من دعائه وطلبه ﵀ إلا وخارت قوى التتار تمامًا، وبدأ الجنود الذين روعوا الأرض قبل ذلك يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، وقضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار. وجاءت اللحظة التي انتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو يزيد، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم:٤ - ٥]. وتخيلوا أنه في موقعة عين جالوت أُبيد جيش التتار بكامله، هل سمعتم عن هذا؟! أو هل سمعتم عن مثل ذلك؟! لقد أبيد جيش التتار بكامله! ولم يبق على قيد الحياة من هذا الجيش أحد أبدًا، وفني الجيش الذي اجتاح نصف الكرة الأرضية، وسفك دماء الملايين وخرّب مئات المدن، وعاث في الأرض فسادًا، وانتصر الجيش الإسلامي العظيم. فهنيئًا لكم أيها المسلمون! بالنصر العظيم، وهنيئًا لك يا قطز! فقد حان وقت قطف الثمار. ولما رأى قطز ﵀ جموع التتار صرعى على أرض بيسان المباركة، لم يفق ليتلقى التهنئة في ذلك الوقت ويرفع رأسه ويفتخر، بل إن أول شيء فعله ﵀ أن نزل من على فرسه، ومرّغ وجهه على الأرض يسجد لله شكرًا، ولم يدخله غرور المنتصرين، أو يرفع رأسه بزهو المتكبرين، ولم يشعر أنه قد فعل شيئًا، بل إن الفضل والمنة لله ﷿، فهو الذي أنعم عليه واختاره ليكون مجاهدًا، وهو الذي منّ عليه بالثبات، وهو الذي ألهمه الحكمة في القتال، والصواب في الرأي، وهو الذي هداه السبيل. وهنا أيها المؤمنون! بيت القصيد، أن تعرف أنك عبد لله ﷿، لا تُنصر إلا بنصره، ولا تنجو إلا برحمته، ولا تتحرك إلا بإرادته ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم:٤].

10 / 10