The Story of Life
قصة الحياة
Genre-genre
الخراب الثاني لبيت المقدس
ثم كان َالْخَرَابُ الثَّانِي بَعْدَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَالْمَسِيحِ بِنَحْوِ سَبْعِينَ سَنَةً، لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ عِيسَى مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وقَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ يُوحَنَّا الْمَعْمِدَانِيَّ. بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَابِلَ يُقَالُ لَهُ: خَردُوسُ (^١)، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِأَهْلِ بَابِلَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالشَّأْمِ، وَقَدْ قِيلَ: هَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾.
وبَعْدَ الْخَرَابِ الثَّانِي تَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ حِينِئِذٍ زَالَ مُلْكُهُمْ وَقَطَّعَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا، وَكَانُوا تَحْتَ حُكْمِ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُلْكٌ.
وَالْمَسِيحُ جَاءَ بِالْحَقِّ فكان نَسْخُ شَرْعِ التَّوْرَاةِ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْمَسِيحَ كَانَ عَلَى الْحَقِّ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنَازِعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمَسِيحُ فَإِنَّهُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَلَكِنْ مَنْ جَاءَ بِشَرْعٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْمَسِيحُ أَوْ أَرَادَ اتِّبَاعَ شَرْعِهِ بَعْدَ النَّسْخِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ نَسَخَ اللَّهُ مَا نَسَخَهُ مِنْ شَرْعِهِمْ وَأَزَالَ دَوْلَتَهُمْ (^٢).
(^١) وفي بعض الكتب اسمه: (جُودَرْسُ). وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَذْكُورِينَ بِالْعِلْمِ يَظُنُّ أَنَّ (بُخْتَ نَصَّرَ) هُوَ الَّذِي قَدِمَ الشَّامَ لَمَّا قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعِنْدَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ، وَالْمُتَوَاتِرُ أَنَّ (بُخْتَ نَصَّرَ) هُوَ الَّذِي قَدِمَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بعد مقتل شعيا ﵇. ويحتمل أن الملك الذي دمر بيت المقدس بعد زمن يحيى ﵇ كان يلقب بـ "بختنصر"، لمشابهته لبختنصر الأول في القسوة والشدة والتخريب. (^٢) وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِالنَّصَارَى لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ولم يتبعوه؛ فأَزَالَ دَوْلَتَهُمْ عَنْ وَسَطِ الْأَرْضِ وَخِيَارِهَا.
1 / 155