The Story of Civilization
قصة الحضارة
Penerbit
دار الجيل
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
Genre-genre
الكائنات الحية ما يزال على وجه الأرض يسعى! لقد يحدث أحيانًا إذا ما مشى الإنسان خلال الغابة متريضًا، أن تأخذه الدهشة العميقة لكثرة ما سمع هنالك من لغات، ولكثرة ما يرى من أنواع الحشرات والزواحف وآكلة اللحوم والطير. إن الإنسان ليحسُّ عندئذ أنه متطفل قد أقحم نفسه إقحامًا على هذا المشهد بما فيه من زحمة الأحياء، وأنه مخوف يخشاه الحيوان جميعًا ويمقته الحيوان جميعًا مقتًا لا ينتهي. ومن يدري فلعل يومًا يُقبل على الدنيا فإذا هذه الصنوف من ذوات الأربع في دمدمة أصواتها، وهذه الحشرات التي كأنما هي اليوم تستدر عليها عطف الإنسان، وهذه الجراثيم الضئيلة التي تنوه بما عساها أن تصنعه، لعل يومًا يقبل على الدنيا فإذا هذه الصنوف جميعًا تلتهم الإنسان التهامًا بكل ما صنعتهُ يداه وأنشأت، فتنقذ الكوكب الأرضي من هذا الحيوان ذي الساقين الذي لا يفتأ يجول ناهبًا سالبًا، وهذه الأسلحة العجيبة المصطنعة، وهذه الأقدام التي تجوس في غير حذر!
لم يكن الصيد والسماكة مرحلتين من مراحل التطور الاقتصادي، بل كانا وجهين من أوجه النشاط التي كتب لها أن تظل باقية في أعلى صور المجتمع المتحضر. لقد كانا ذات يوم مركز الحياة، وهما الآن بمثابة أساسيها الخبيئين، إذ يكمن وراء أولئك الصيادين الأشداء كل ما لنا من أدب وفلسفة وفن وشعائر عبادة، فكأنما نؤدي اليوم صيدنا بوساطة غيرنا نُنيبُه عنا، إذ تعوزنا جرأة القلب التي نقتل بها طرائدنا علنًا في الفضاء المكشوف؛ لكن ذكريات الصيد القديم ما تزال تعاودنا حينما نغتبط بمطاردتنا للضعيف أو للذي يلوذ منا بالفرار، بل إنها تعاودنا في ألعاب أطفالنا- حتى الكلمة التي نطلقها اليوم على اللعب هي نفسها التي تدل على الصيد (^١) وإذن فآخر ما نصل إليه في تحليل المدنية هو أنها قائمة على تهيئة الإنسان لطعامه فإن رأيت فخامة الفن في الكاتدرائية
_________
(^١) لفظة Game بالإنجليزية تعني الصيد وتعني الملعب أيضا. (المعرب)
1 / 14