The Science of Shariah Objectives
علم المقاصد الشرعية
Penerbit
مكتبة العبيكان
Nombor Edisi
الأولى ١٤٢١هـ
Tahun Penerbitan
٢٠٠١م.
Genre-genre
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الضالين
المقدمة:
أما بعد:
فإن المقاصد الشرعية الإسلامية قد تزايد في العصر الحالي الاهتمام بها والالتفات إليها، وعلى مستوى البحث والتأليف والتحقيق والتدوين، وعلى مستوى التدريس والتعليم والتوعية والتثقيف.
وقد كان سبب ذلك بالأساس الحاجة الماسة، والضرورة المُلحَّة لعلم المقاصد على صعيد عملية الاجتهاد والاستنباط والإفتاء والقضاء، وعلى صعيد فهم التكليف وتعقله واستيعابه وتطبيقه، وعلى صعيد تحمل خطاب التكاليف وأداء رسالة الاستخلاف، وإقامة واجب الإصلاح والتوجيه والإرشاد في الأرض.
ومعلوم أن المقاصد الشرعية سلاح ذو حدين، يمكن استخدامها في الخير والمعروف، ويمكن توظيفها لجلب الشر والمنكر والفسادن، ولذلك وجب على العلماء والمتعلمين الإحاطة بهذا العلمن ومعرفة محتويته ومضامينه، وامتلاك أدواته وآلياته وضوابطه، بغية تطبيقه بوجه حس، وبكيفية مرضية، تجلب للناس مصالحهم الحقيقية والشرعية، وتدرأ عنهم الفساد والهلاك، وتني عن الاجتهاد والاستنباط التعسف في التفسير، والتطويع في التأويل، والإساءة في القصود والنوايا، كما تُبعد -بنفس الحرص والاهتمام- التفسير الظاهري، والتعامل الحرفي مع النصوص
1 / 7
والأدلة الذي لا ينظر إلا إلى المباني والظواهر والصور، دون أن يُعم تلفكر في البواطن ومعاني والمرامي والمقاصد.
فالنظر المقاصدي الأصيل يقوم على الموازنة بين الظاهر النص ومقصوده، بين مبناه ومعناه، وفق ميزان الشرع، ومعيار الاجتهاد الصحيح وضوابطه.
وهذا النظر المقاصدي هو في حقيقته يتمثل في مبدأ الوسطية الإسلامية التي تقررت بأدلة كثيرة على أنها خصيصة قطعية وسمة مؤكدة من سمات شريعة الله الغراء.
ونظرًا إلى مكانة المقاصد الشرعية في العصر الحالي بالخصوص، وفي معالجة كثير من نوازله وحوادثه، تعاقب الباحثون وطلاب العلم على تناول موضوعها بالدرس والبحث والتأليف، سواء على مستوى البحوث والمؤلفات الخاصة، أو على مستو بحوث الدراسات العليا ولترقيت والجوائز، وبحوث المجامع والهيئات الفقهية الشرعية والمراكز البحثية والدراسية.
ولم أكن لأشُذّ عن هذا الاتجاه العام في العصر الحالي -فالإنسان ابن عصره، ويتأثر بأحواله وأوضاعه؛ فقد أُغريت كي أسهم بشيء يسير وقليل في هذا الاهتمام والعناية بالمقاصد الشرعية؛ فقد جعلت رسالتي للدكتوراه مخصصة لتناول المقاصد الشرعية عند المالكية١، كما ألفت كتابًا بعنوان "الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه، مجالاته"٢، ركزت فيه
_________
١ نوقشت هذه الرسالة بجامعة الزيتونة العامرة سنة ١٩٩٧من وقد نال صاحبها أفضل تقدير معتمد في الجامعة.
٢ صدر هذا الكتاب في جزأين ضمن سلسلة كتاب "الأمة" القطرية بتاريخ جمادى الأول ورجب ١٤١٩، تحت رقم: ٦٦-٦٧.
1 / 8
على النواحي التطبيقية والتميلية والتحليلية والتدليلية للمقاصد، والحكم على كثير من نوازل العصر ومشكلاته في ضوء المقاصد الشرعية التابعة للأدلة والنصوص، وليس المستقلة عنها أو المنفلتة منها. كما أسهمت ببعض المقالات القصيرة في بعض الدوريات والمجالات.
وقد رأيت من اللازم والضروري -شرعيًا وأدبيًا وأكاديميًا- تأليف هذا الكتاب لسببين رئيسين مباشرين:
١-الاستجابة لحاجة القرّاء في معرفة علم المقاصد وإدراك عموماته، والإلمام ببعض جزئياته ومتعلقاته كي يحققوا بهذا العلم الفهم الصحيح والتطبيق السليم للإسلام، وللتكاليف، وللاستخلاف في الأرض، وكي يتمكنوا من الرَّدّ على المزاعم الشُّبه والغايات؛ حيث يقولون: إن العبرة بالمقاصد والمعاني، ويقولون: الغايات تبرير وغير ذلك.
٢- الاستجابة لحاجة الطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ولا سيما طلاب كلية الدعوة والإعلام بالخصوص١، الذين يدرسون منهج مقاصد الشرعية في المستوى الثالث والرابع؛ فقد رأيت تدوين ما كنت ألقيه عليهم في أثناء المحاضرات، بغية تيسير المنهج لهم، ويسر مراجعته، وسهولة العودة إليه أثناء المذاكرة والاختبارات.
ولا سيما والمنهج عميق ودقيق، وهو يحتاج إلى بذل جهدي التدريس
_________
١وكذلك طلاب المعهد العالي للقضاء، الذين يدرسون حاليًا منهج المقاصد الشرعية، وكذلك طلاب الدكتوراه بقسم أصول الفقه، وبقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة، والذين سيدرسون لاحقًا هذا المنهج.
1 / 9
والتأليف حتى تتحقق الغاية المرجوة منه.
وقد كنت أواخر كل فصل دراسي يبادرني الطلاب بأسئلة كثيرة تتعلق بالمنهج والبرامج، وبإعداد مذكرة تحوي المادة العلمية كلها؛ ولا سيما بالنسبة للطلاب المنتسبين والراسبين وغيرهم ممن يحتاجون إلى مدونة أو مذكرة مكتوبة يعودون إليها خارج قاعات التدريس بالجامعة.
فلذلك كله، وللأسباب الأولى، قمت بتأليف هذا الكتاب الذي آمل أن يكون موفقًا ومفيدًا، وأن يُتجاوز فيه عن الأخطاء والهفوات التي هي من سمات البشر، ومن مستلزمات العجلة التسرع والحرص على الاستفادة والإفادة.
ولا أدع أنني قد أتيت على كل أو أغلب مسائل المقاصد؛ فذلك أكبر من أن تستودعه مثل هذه المذكرة؛ ولكنني أتيت على ما ظننته قريبًا من المراد والمقصود. ونسأل الله تعالى الصواب والرشاد. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه: نور الدين مختار الخادمي
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض (قسم الفقه)
صبيحة يوم الجمعة الثامن من شهر صفر ١٤٢١هج -الموافق
ليوم ١٢مايو ٢٠٠٠م.
1 / 10
الجزء الأول
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية
...
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشريعة الإسلامية
التعريف اللغوي لمقاصد الشريعة الإسلامية:
مقاصد الشريعة هي اسم ولقب لعلم وفن من فنون الشريعة الإسلامية، وهذا الاسم يتركب من لفظين: لفظ مقاصد، لفظ الشريعة.
ولتعريف هذا الاسم المركبَّ، أو هذا اللقب العلمي الشري يجب تعريف كل من لفظيه اللذين ركب منهما، وهما: لفظ مقاصد، لفظ الشريعة.
تعريف المقاصد لغة:
المقاصد: جمع مقصد، والمقصد: مصدر ميمي مشتق من الفعل قصد؛ فيقال: قصد يقصد قصدًا، وعليه فإن المقصد له معان لغوية كثيرة منها:
١- الاعتماد والتوجه واستقامة الطريق. قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ﴾ ١.
٢- التوسط وعدم الإفراط والتفريط قال تعالى: ﴿اقْصِدْ فِي مَشْيِك﴾ ٢.
وقال الرسول ﷺ: "القصْدَ القصْدَ تَبْلُغُوا" ٣.
_________
١ سورة النحل آية ٩.
٢ سورة لقمان آية ١٩.
٣ أخرجه البخاري في كتاب الرقائق، باب: القصد والمداومة على العمل.
1 / 13
تعريف الشريعة لغة:
الشريعة تُطلقَ في اللغة على مورد الماء ومنبعه ومصدره، كما تُطلق على الدين والملة والطريقة والمنهاج والسنة،
والشريعة والشرع والشرِّعْة بمعنى واحد.
ووجه إطلاق الشريعة على منبع الماء ومصدره أن الماء مصدر حياة الإنسان والحيوان والنبات، وأن الدين الإسلامي مصدر حياة النفوس وصلاحها وتقدمها وسلامتها في الدنيا والآخرة؛ فالشريعة الإسلامية مصدر كل الخير والرخاء والسعادة في العاجل والآجل، في المعاش والمعاد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم﴾ ١.
تعريف لفظ الإسلامية:
لفظ الإسلامية مشتق من كلمة الإسلام، والإسلام لغة: الانقياد والاستسلام لله سبحانه تعالى بتوحيده وعبادته والامتثال إلى أوامره واجتناب نواهيه.
وإطلاق الإسلامية على المقاصد دليلٌ على أن هذه المقاصد مستندة إلى الإسلام، منبثقة منه ومتفرعة عنه، وليست مستقلة عنه أو مخالفة له.
التعريف الاصطلاحي لمقاصد الشريعة الإسلامية:
لم يوجد عند العلماء الأوائل تعريف واضح أو محدد أو دقيق لمقاصد
_________
١ سورة الآنفال آية رقم ٢٤.
1 / 14
الشريعة؛ وإنما وجدت كلمات وجُمَل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها، وببعض تعبيرتها ومرادفاتها، وبأمثلتها وتطبيقاتها، وبحجيتها وحقيتها.
فقد ذكروا الكليات المقاصدية الخمس "حفظ الدين والنفس والعقل والنسل أو النسب والمال" وذكروا المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية، وذكروا بعض الحِكَم والأسرار والعلل المتصلة بأحكامها وأدلتها.
وذكروا أدلة من المنقول والمعقول الدالة على حقية المقاصد وحيجتها، ووجوب مراعاتها والاعتماد عليها بشروط معينه وضوابط مقررة، وبدون الخروج عن الشرع أو معارضة أدلته ومصادمة تعاليمه وقواعده وأصوله.
كما أنهم عبرا عن المقاصد بتعبيرات كثيرة دلت في مجملها بالتصريح والتلميح والتنصيص والإيماء على الْتفات هؤلاء الأعلام إلى مراعاة المقاصد واستحضارها في عملية فهم النصوص والأحكام والاجتهاد فيها والترجيح بينها.
ومن تلك التعبيرات والاشتقاقات:
المصلحة والحكمة العلة والمنفعة والمفسدة والأغراض والغايات والأهداف والمرامي والأسرار والمعاني والمراد والضرر والأذى وغير ذلك مما هو مبثوث في مصادره ومظانه.
تعريف العلماء المعاصرين للمقاصد:
حظيت مقاصد الشريعة في العصر الحديث بعناية خاصة من قبل العلماء والباحثين؛ وذلك لأهميتها ودورها في عملية الاجتهاد الفقهي، وفي معالجة قضايا الحياة المعاصرة في ضوء الأدلة والنصوص والقواعد الشرعية،
1 / 15
وكان من ضروب هذا الاعتناء تدوين المقاصد وتأليفها واعتبارها علمًا شرعيًا وفنًا أصوليًا له ما لسائر العلوم والفنون من تعريفات ومصطلحات وتقسيمات وغير ذلك.
وقد وردت عدة تعريفات لهذا العلم نوردها فيما يلي:
١- عرفَّها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بأنها: المباني والحِكَم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها ... ويدخل في هذا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام؛ ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها١.
٢- عرفها الفاسي بقوله: المراد بمقاصد الشريعة الإسلامية: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكمها٢.
٣- عرفها الريسوني بقوله: إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد٣.
٤- عرفها الدكتور محمد بن سعد بن أحمد بن سعود اليوبي: المقاصد هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموما وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد٤.
_________
١ مقاصد الشريعة لاب عاشور ص٥١.
٢ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ص٣.
٣ نظرية المقاصد عند الشاطبي: د. أحمد الرسيوني ص٧.
٤ مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، ص٣٧.
1 / 16
٥- عرفها فتحي الدريني: وهي القسم التي تكمن وراء الصيغ والنصوص، ويستخدمها التشريع كليات وجزئيات١.
٦- عرفها د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم بقوله: المقاصد وهي المصالح التي قصدها الشارع بتشريع الأحكام ٢.
٧- التعريف المختار لنور الدين الخادمي: المقاصد هي المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها؛ سواء أكانت تلك المعاني حكما جزئية أم مصالح كلية أم سمت إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد، هو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين٣.
الخلاصة:
إن المقاصد الشرعية هي جملة ما أراده الشارع الحكيم من مصالح تترتب على الأحكام الشرعية، كمصلحة الصوم والتي هي بلوغ التقوى، ومصلحة الجهاد التي هي در العدوان والذب عن الأمة، ومصلحة الزواج والتي هي غض البصر وتحصين الفرج وإنجاء الذرية وإعمار الكون.
وهذه المصالح كثيرة ومتنوعة، وهي تجمع في مصلحة كبرى وغاية كلية: هي تحقيق عبادة الله، وإصلاح المخلوقين وإسعاده في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت﴾ ٤.
_________
١ انظر مقاصد المكلفين عند الأصوليين، ج١ / ٣٥.
٢ قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، ص٣٤.
٣ الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضواطه، مجالاته د. نور الدين الخادمي، ١/ ٥٢-٥٣.
٤ سورة النحل آية ٣٦.
1 / 17
المبحث الثاني: صلة المقاصد ببعض المصطلحات الأصولية
المطلب الأول: صلة المقاصد بالعلة
...
المبحث الثاني: صلة المقاصد ببعض المصطلحات الأصولية
للمقاصد صلة ببعض المصطلحات الأصولية كمصطلح العلة والحكمة والمصلحة وسد الذارئع.
المطلب الأول: صلة المقاصد بالعلة
العلة لغةً: المرض.
أما العلة اصطلاحًا:
فتطلق على الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل من ترتيب الحكم عليه مصلحة؛
ومثاله: الإسكار، فهو وصف ظاهر منضبط ترتب عليه حكم التحريم لمصلحة حفظ العقل والمال، وهذا معنى قولنا: يحصل من ترتيب الحكم عليه مصلحة حفظ المال والعقل.
ومثاله كذلك: السفر؛ فهو وصف ظاهر منضبط، ومعنى كونه ظاهرًا ليس خفيًا، ومعنى كونه منضبطًا: لا يتغير بتغير الأشخاص ولا الأحوال ولا الظروف.
والحكم المترتب على السفر هو قصر الصلاة، والإفطار في الصوم، والمسح على الخفين. والمصلحة من كل ذلك هي رفع الحرج عن المكلف والتخفيف عنه.
1 / 19
الخلاصة:
إن العلة هي الوصف المُّعرِّف للحكم والمؤدي إليه، كالإسكار؛ فإنه يؤدي إلى التحريم لمصلحة حفظ العقل والمال، والسفر يؤدي إلى القصر والإفطار والمسح لمصلحة رفع المشقة والحرج، والسرقة تؤدي إلى قطع اليد لمصلحة حفظ المال، والزنى يؤدي إلى الجلد أو الرجم لمصلحة حفظ الأنساب والأعراض، والقتل العَمْد يؤدي إلى القصاص لمصلحة حفظ النفس.
ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: الغياب عن المحاضرات؛
الغياب عن المحاضرات سبب لوقوع الحرمان من الاختبار. ويعتبر تأديب الطلاب وحثهم على حضور المحاضرات والاستفادة منها هو مقصد ذلك الحكم، أي أن المصلحة تتمثل في ذلك؛ إذ لو لم يحرم الطالب المتغيِّب من الامتحان لَتَخلَّف الطلاب، ولتأخروا عن الحضور، ولَفَاتَهم تحصيل العلم المفيد.
وبناءً على ما ذكر تكون العلة هي سبب الحكم وسبيله الذي يؤدي إليه، وتكون المقاصد هي المصالح المترتبة على الحكم المبني على العلة.
1 / 20
المطلب الثاني: صلة المقاصد بالحكمة
الحكمة: هي ما يترتب على التشريع من جلب مصلحة وتكميلها، أو دف مفسدة وتقليلها١.
وتطلق الحكمة أحيانًا على المقصد الجزئي كحكمة تجنب الأذى باعتزال الحائض، وحكمة منع بيع المعدوم وهي نفي الجهالة وإبعاد الغرر والضرر عن المشتري، وحكمة النظر إلى وجه المخطوبة وهي حصول الألفة وإدامة العِشْرة وتحقيق الارتياح لضمان النجاح وإدراك الفلاح.
كما تطلق الحكمة للدلالة على المقصد الكلي أو المصلحة الإجمالية كمصلحة حفظ النفس، وتحقيق التيسير ورفع الحرج، وتقرير عبادة الله والامثتال إليه.
فنقول بأن الحكمة من إرسال الرسل وإنزال الشرائع هي: عبادة الله واجتناب الطاغوت، ونعني بتلك الحكمة جملة المصالح العامة والمقاصد الكلية.
وبناءً على ما ذكر فإن الحكمة والمقاصد يترادفان ويتماثلان في الإطلاق والتعبير في أغلب الأحيان.
_________
١ انظر مباحث العلة في القياس ص١٠٥.
المطلب الثالث: صلة المقاصد بالمصلحة المصلحة كالمنفعة وزنًا ومعنى، وهي ضد المفسدة والمضرة، ويُعبَّر عنها بالخير والشر، بالنفع والضرر، بالحسنات والسيئات. يقول عز الدين بن عبد السلام: المصالح هي اللذات وأسباها، والمفاسد: الآلام وأسبابها أو الأضرار وأسبابها؛ فتكون المصلحة متمثلة في جلب المنفعة وما يوصل إليها، وتكون المفسدة متمثلة في درء الآلام والأضرار وما يوصل إليها١. _________ ١ انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام ١/ ١٠، وانظر المقاصد العامة، يوسف حامد، ص١٣٣.
المطلب الثالث: صلة المقاصد بالمصلحة المصلحة كالمنفعة وزنًا ومعنى، وهي ضد المفسدة والمضرة، ويُعبَّر عنها بالخير والشر، بالنفع والضرر، بالحسنات والسيئات. يقول عز الدين بن عبد السلام: المصالح هي اللذات وأسباها، والمفاسد: الآلام وأسبابها أو الأضرار وأسبابها؛ فتكون المصلحة متمثلة في جلب المنفعة وما يوصل إليها، وتكون المفسدة متمثلة في درء الآلام والأضرار وما يوصل إليها١. _________ ١ انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام ١/ ١٠، وانظر المقاصد العامة، يوسف حامد، ص١٣٣.
1 / 21
أنواع المصلحة:
تتنوع المصلحة تنوعات كثيرة باعتبارات وحيثيات كثيرة، والذي يهمنا في هذا العرض الموجز الاقتصار على التركيز على نوعيها باعتبار موافقتها للشرع ومخالفتها له؛ إذ تقسم بهذا الاعتبار إلى المصالح الشرعية والمصالح غير الشرعية.
١- المصالح الشرعية:
وهي المصالح التي تستند إلى الشرع وتنبثق منه وتتفرع عنه، ولا تعارض نصًا ولا دليلًا ولا إجماعًا.
ومثالها:
مصلحة حفظ الدين بإقامة شعائره وفرائضه وإحياء معالمه وتعاليمه، وكذلك مصلحة حفظ العرض بمنع الزنا والخلوة والنظر بشهوة ومعاقبة الزناة والشاذَّين.
ومن خاصيات المصلحة الشرعية أنها غير محدودة بالدنيا أو المتاع المادي واللذة الجسدية كما هو الحالفي المجتمعات المادية والإباحية والدهرية والعبثية؛ بل إن تلك المصلحة تشمل الدنيا والآخرة وتشمل الجسد والروح والفرد والمجتمع.
٢- المصالح غير الشرعية:
وهي المصالح التي لا تستند إلى الشرع ولا تنبثق منه؛ وإنما تُحدَّد في ضوء نزوات النفس وأهواء العقل وميول الغرائز، فليس لها ضابط ولا
1 / 22
رابط، وليس لها حدود ولا قيود، كما أنها تنصبُّ في الاقتصادر على منافع الدنيا وإمتاع الجسد بمختلف اللذائذ والمنافع وإشباع الذات، ولو على حساب الآخرين؛ فهي إذًا مصلحة ذاتية وجسدية دنيوية وظرفية لا تمتد إلى عالم الآخرة والجزاء.
صلة المقاصد بالمصلحة:
يتبين مما ذكرنا أن المصالح الشرعية هي مقاصد الشارع ومراده، أي أن الشارع قد قصد تلك المصالح وأراد تحصيلها بالنسبة للمكلف من خلال القيام بالأحكام الشرعية؛ فالقيام بالفرائض والتعاليم الدينية يؤدي إلى تحقيق مصالح عبادة الله وجلب مرضاته والفوز بجناته وإراحة وطمأنة نفس المكلف.
وهذه المصالح التي قصدها الشارع تعود على المكلف وتؤول إليه، وليس تؤول إلى الله؛ لأننا إذا قلنا بذلك وقعنا في وصف الخالق بالسعي إلى الأغراض التي هي من صفات النقص والسعي إلى الكمال؛ فهو سبحانه المتصف بجميع صفت الكمال. وعليه فإن المقاصد هي نفسها المصالح الشرعية.
أما المصالح غير الشرعية فالمقاصد تَأبَاهَا وتعارضها والأدلة الشرعية تمنعها وتبعدها وتدفعها.
1 / 23
المطلب الرابع: صلة المقاصد بسد الذرائع
تعريف الذرائع: هي جمع ذريعة، والذريعة هي الوسيلة إلى الشيء.
معنى سد الذريعة:
منع ما يجوز حتى لا يتوصل به إلى ما لا يجوز، وقد قال جمهور العلماء: إنها أصل شرعي يعمل به ويعول عليه في معرفة الأحكام واستنباطها.
أمثلتها:
١- الخلوة بالأجنبية ذريعة إلى الزنا، لذلك حرمت.
٢- بيع السلاح زمن الحرب وسيلة إلى زيادة الفتنة والقتل والتخريب، لذلك منع.
٣- البيع وقت الجمعة وسيلة لترك الجمعة، لذلك نهي عنه لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ١.
٤- النظر بشهوة وسيلة إلى الزنا ودواعيه، قال الرسول ﷺ: "النظرة سهم من سهام الشيطان".
٥- كثرة السهر ذريعة للتأخر عن المحاضرات وتفويت التحصيل العلمي وحصول التوتر والاضطراب والقيادة الفوضوية وغير ذلك مما يسبب الكثير من المفاسد والاضطرابات النفسية والجسدية والاجتماعية.
علاقة المقاصد بالذرائع:
يمكن أن نبرز هذه العلاقة فيما يلي:
أ- سد الذارئع في نفسه مقصد من مقاصد الشريعة أكدته وذكرته نصوص
_________
١ سورة الجمعة: آية ٩.
1 / 24
شرعية كثيرة منها قوله تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُون ...﴾ ١ الآية، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ٢.
فكلمة راعانا عند اليهود سبة وشتيمة؛ لذلك نهاهم الله ﷾ عن قولهم هذا عند مخاطبة الرسول ﷺ؛ لمنع ذريعة النيل من الرسول ﷺ.
ب- سد الذرائع: هي سد الوسائل المفضية إلى تعطيل المقاصد وتضييعها.
والوسائل نوعان:
١- الوسائل التي يجب سدها وهي ما عبرنا عنه بسد الذارئع.
٢- الوسائل التي يجب فتحها وهي المعبر عنها بفتح الذرائع، أي فتح الطرق والسبل التي تؤدي إلى تحقيق المصالح والمنافع.
أمثلتها:
١- إعلان الأذان طريق إلى الإعلام بدخول وقت الصلاة، والحث على القيام بها.
٢- نشر العلم طريق إلى تعليم الناس أحكام دينهم، ومعرفة ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
٣- تيسير الزواج وتقليل المهور طريق إلى التعفف والتحصين، والابتعاد عن الشذوذ والانحراف.
٤- تخفيف السرعة ملازمة اليمين والبعد عن التهور والحذر سبيل السلامة والوقاية من الحوادث والمهالك؛ لذلك قال العلماء: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
_________
١ سورة الأنعام. آية ١٠٨.
٢ سورة البقرة. آية ١٠٤.
1 / 25
المبحث الثالث: موضوع مقاصد الشريعة
موضوع أي علم يتناول مادته وماهيته وحقيقته ومحتواه، أي جملة الموضوعات والمسائل التي يتضمنها ويتعلق بها.
فموضوع العقيدة هو التوحيد والتصديق بالمُسَلَّمات والغيبات الإيمانية التي وردت في الكتاب والسنة.
وموضوع الفقه هو بيان أحكم الحلال والحرم، والواجب والمستحب والمكروه، وكذلك أدلتها التفصيلية من الآيات والأحاديث والسنن وتفاسير وأقوال العلماء والترجيح بينها.
وموضوع علم الأصول هو القواعد الإجمالية والمبادئ الكلية والمصادر التشريعية العامة التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام واستخراجها؛ لذلك سمي علم أصول الفقه بعلم الاستنباط والاستخراج.
وموضوع علم الهندسة والوراثية هو بيان ودراسة الخصائص الوارثية وتعديلها والتحكم فيها لأغراض صحية واقتصادية وبيئية.
وبصرف النظر عن شرعيتها وعدمها ومعلوم أن من الهندسة الوراثية ما هو مباح وجائز، وما هو حرام ومحظور، بحسب قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية.
فموضوع مقاصد الشريعة: هو بيان وعرض حِكَم الأحكام، وأسرار التشريع، وغايات الدين، ومقاصد الشارع، ومقصود المكلف ونيته، وغير ذلك مما يندرج ضن ما أصبح يعرف حاليًا بمقاصد الشريعة التي أصبحت عِلمًا شرعيًا، وفنًا من فنون الشريعة الإسلامية، وضربًا من ضروبها،
1 / 27
وشرطًا من شروط فهمها وتعقلها وتطبيقها والاجتهاد في ضوئها؛ بل إن المقاصد يتزايد الاهتمام بها يوميًا، بعد يوم بحثًا وتأليفًا؛ تحقيقًا وتعليقًا، تنظيرًا وتدوينًا؛ الأمر الذي أدى بكثير من الباحثين والدراسين إلى الدعوة إلى تأسيس نظرية متكامة في علم المقاصد يرتكز موضوعه على بحث المصالح الشرعية من حيث تعريفها وأمثلتها وحجيتها وحقيقتها، ومن العقل، وغير ذلك مما يتعلق به موضوع هذا الفن الجديد.
مثال ذلك:
البيع مشروع لمصلحة الانتفاع بالعوضين وهذه المصلحة ضرورية؛ لأن الحياة تقوم عليها؛ لذلك حُرم الاحتكار؛ لأن الاحتكار يعطل أقوات الناس وأطعمتهم، ثم إن هذه المصلحة عامة تتعلق بكل إنسان، أما الاحتكار فهو مصلحة حاصلة تنفع المحتكر فقط على حساب الناس؛ فيكون الاحتكار ممنوعًا لكونه مصلحة خاصة، ويكون البيع مباحًا وتوفير البضاعة واجبًا؛ لكونه مصلحة عامةن والقاعدة تقول "بأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة".
ومصلحة البيع مصلحة حقيقية؛ لأن نفعه عائد على جميع الناس بتراض وعدل، بخلاف الربا الذي وإنْ كانت فيه مصلحة؛ فهي مصلحة فردية تعود على المُرَابي فقط على حساب أغلبية المستضعفين والمغلوبين، ثم إن مصلحة الربا في نظر الشارع مصلحة وهمية خيالية مغلوبة، ومرجوحة باطلة مردودة؛ وذلك لِمَا تؤول إليه من الغُبْن وبخس الناس أشياءهم، وأكل أموالهم، وتعميق الفوارق بينهم، وخدش الوحدة والمودة
1 / 28
والتضامن بينهم؛ لذلك وصف الله الربا وصفًا شنيعًا، وأعلن الحرب على أهله، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ ١، وقال تعالى: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه﴾ ٢ فنَظَر المجتهد في هذه المصالح وفي كونها حقيقية وخيالية أو عامة وخاصة، وفي علاقتها بأدتها الشرعية في إفضائها إلى مراد الشارع ومقصوده، كل ذلك يعد من صميم موضوع هذا العلم الشرعي المفيد.
_________
١ سورة البقرة. آية ٢٧٦.
٢ سورة البقرة. آية ٢٧٩.
1 / 29
المبحث الرابع: بيان صلة مقاصد الشريعة بالأدلة
تعريف الأدلة الشرعية:
هي مصادر التشريع الإسلامي وأصول وقواعد الأحكام الشرعية والفقهية.
نوعا الأدلة:
١- الأدلة المتفق عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
٢- الأدلة المختلف فيها: وهي المصلحة المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع وقول الصحابي وشرع من قبلنا والعرف ...
صلة المقاصد بالقرآن الكريم: القرآن الكريم أول مصدر من مصادر التشريع، وهو أصل الأصول، وقدس الأقداس، وأساس الأحكام والمقاصد والحكم والأسرار الشرعية، ويتمثل ذلك من خلال ما يلي: ١- ذكر القرآن لأنواع كثيرة من المقاصد منها: أ- العبودية: قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١. ب- التبشير والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب: قال تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ ٢. _________ ١ سورة الذاريات: آية ٥٦. ٢ سورة النساء، آية ١٦٥.
صلة المقاصد بالقرآن الكريم: القرآن الكريم أول مصدر من مصادر التشريع، وهو أصل الأصول، وقدس الأقداس، وأساس الأحكام والمقاصد والحكم والأسرار الشرعية، ويتمثل ذلك من خلال ما يلي: ١- ذكر القرآن لأنواع كثيرة من المقاصد منها: أ- العبودية: قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ١. ب- التبشير والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب: قال تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ ٢. _________ ١ سورة الذاريات: آية ٥٦. ٢ سورة النساء، آية ١٦٥.
1 / 31