The Role of Muslims and Their Mission in the Last Third of the Twentieth Century
دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين
Penerbit
دار الفكر-دمشق سورية / دار الفكر
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤١٢هـ - ١٩٩١م
Lokasi Penerbit
الجزائر
Genre-genre
مالك بن نبي
دَوْرُ الْمُسْلِمِ وَرِسَالَتُهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِيْن
دار الفكر الجزائر
دار الفكر دمشق - سورية
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
دَوْرُ الْمُسْلِمِ وَرِسَالَتُهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِيْن
1 / 3
الطبعة الأولى ١٤١٢هـ - ١٩٩١م
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يتضمن هذا الكتاب نص المحاضرة الأولى، التي ألقاها المؤلف- ﵀ في رابطة الحقوقيين بتاريخ ٢٣ صفر ١٣٩٢ للهجرة، الموافق ٢٨ آذار (مارس) ١٩٧٢ للميلاد، في مدينة دمشق، تحت عنوان (دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين).
ونص المحاضرة الثانية التي ألقاها في مسجد المرابط، في مدينة دمشق بتاريخ ١٩ ربيع الثاني ١٣٩٢هـ الموافق ٢٢ أيار (مايو) ١٩٧٢م، تحت عنوان (رسالة المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين).
1 / 5
تقديم
(دَوْرُ الْمُسْلِمِ وَرِسَالَتُهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِيْن)
هاتان محاضرتان من نفحات دمشق.
نفحات طالما استفاض بها فكر المرحوم مالك بن نبي، وهو في زيارة هذا البلد العزيز، فأعطى الكثير، وأضاء من جوانب فكره ما حمل المزيد من المؤلفات.
ففي عام ١٩٥٩م زار الأستاذ مالك دمشق لأول مرة، فأحب فيها شغفًا إلى الجديد من الفكر، واهتمامًا بما سبقه إليها من عطاء أعطاه في القاهرة، في (شروط النهضة) و(الظاهرة القرآنية) و(الفكرة الإفريقية الآسيوية) ... وهكذا تتابعت أفكار بن نبي كتابًا إثر كتاب، وتتابع الاهتمام بها سحابة من الزمن غير يسيرة.
1 / 6
وفي بداية السبعينات، أحس كأنما أوشكت مسيرته
على طريق الرسالة تبلغ الأجل الذي أجله الله لها، فمرَّ ببيروت عام ١٩٧١م، ثم بطرابلس لبنان، وأودعني ﵀ وصية سجلها في ١٦ ربيع الثاني ١٣٩١هـ الموافق ١٠ حزيران (يونيو) ١٩٧١م في المحكمة الشرعية في طرابلس، حملني فيها مسؤولية الحفاظ على أفكاره والإذن بنشر كتبه.
ثم عاد في العام التالي عام ١٩٧٢م، فمرَّ بدمشق
وهو قافل من رحلة الحج الأخيرة، ليقف على منبرها الفكري، ويلقي وصيته الأخيرة في رحاب مسجد المرابط، وفي هذا ما فيه من دلالة جغرافية وفكرية معًا. أما الجغرافية فلأنه كان يشعر بأهمية دمشق وسورية على وجه العموم بصفتها موقعًا جغرافيًا ملائمًا، مارس دوره التاريخي في نشر الأفكار، التي أثرت في مسيرة الأمة العربية منذ بداية هذا القرن. وأما الدلالة الفكرية الخاصة، فلأن الحديث عن رسالة المسلم في الثلث الأخير من القرن، قد استلهم روحه في بيت من
1 / 7
بيوت الله اتخذ اسم المرابط، ذلك التعبير الإسلامي الذي يحمل قيمة الإنسان، في أرفع حالات التأهب النفسي للدفاع عن الرسالة والقيم.
فالأستاذ مالك يربط بين الفكر والفعالية، فالفكر
بغير فعالية إنما هو ترف لا يزن شيئًا في موازين التاريخ، والفعالية بغير فكر طريقٌ أعمى لا يدفع المجتمع في سبيل التقدم.
هذه وصية تركها مالك بن نبي في ضمير أجيال، تتلمس الخروج من أزمتها الراهنة، وما نقول فيها ونحن نبلغها إلا كما قال الرسول ﷺ: «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (١).
في دمشق
٨ شوال ١٣٩٨ هـ
١٠ أيلول (سبتمبر) ١٩٧٨م
عمر مسقاوي
_________
(١) رواه البخاري والترمذي والدارمي وابن ماجه وأحمد، مع اختلاف في الروايات.
1 / 8
دَوْرُ الْمُسْلِمِ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِيْن
محاضرة الأستاذ مالك بن نبي
في رابطة الحقوقيين في دمشق
٢٣/ ٢/ ١٣٩٢هـ = ٢٨/ ٣/ ١٩٧٢م
1 / 9
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ.
أيها السادة الكرام، الأبناء والطلبة الأعزاء!
إنني لا أستطيع أن أقدر هذه اللحظة حق قدرها في سجل حياتي مع أن اللحظات واللقاءات تتكرر. إنني أشعر بمزيد من السرور والفرح إذ أتحدث مع هذه الطائفة من الشباب المسلم في هذه الأصقاع من البلاد الشقيقة، سورية العزيزة، وفي معقل من معاقل الإسلام، المعقل العريق دمشق. ويجب علي أن أتوجه بالشكر لإخواننا الحقوقيين الذين أفسحوا لنا المجال وقدموا لنا هذا المكان، لنعرض ما استطعنا دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين في رأينا.
لو حاولنا تحديد دور المسلم عامة ما كان لنا أن نختار سوى ما اختاره الله له دورًا في التاريخ. يقول عزَّ
1 / 10
وجلَّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣/ ٢]. هكذا يحدد الله دور المسلم بصورة عامة، وليس لنا أن نختار له دورًا أشرف وأفضل منه، وإنما نلفت النظر إلى خطورة هذا الدور وإلى مقتضياته، التي هي من اختصاص الفقهاء ومن اختصاص الحقوقيين، لأنهم يعرفون شروط تزكية الشهادة، والشاهد من الناحية العقلية ومن الناحية الأخلاقية معًا.
لكن لماذا أفردنا وتعمدنا إفراد فترة معينة من هذا القرن؟
أولًا: لطبيعة القرن العشرين التي يتميز بها عن القرون الأخرى كلها، لأنه القرن الذي تحققت فيه تغيرات جذرية، بدت وكأنها ترسم للإنسانية نقطة اللارجوع على محور الزمن، فهو القرن الذي هبت فيه أكبر عواصف التاريخ على مصير الإنسانية.
ثانيًا: لأنه القرن الذي سجل الأحداث الكبرى،
1 / 11
سواء في مجال العلم، أو -كما سنرى- في المجال النفسي، أو في المجال الأخلاقي والديني. ففي كل هذه المجالات هبت عواصف كبرى يبدو أنها غيرت معالم الطريق. وعلى أية حال فهي قد غيرت ملامح الزمن والمجتمعات الإنسانية. هذه التغيرات تحققت من خلال أحداث كبرى، خاصة منها الحربين العالميتين اللتين هزتا العالم مرتين في ظرف أربعين سنة، وشملتا للمرة الأولى في التاريخ سائر أنحائه. ولوقع هذه الأحداث نتائج لا مناص منها، بعضها دخل سجل التاريخ وتسجل في حافظة الإنسانية وفي كتبها، وبعضها دخل عالم النفوس، سواء استطعنا قراءته أم لم نستطع،. وبعضها لازال توقعات في ضمير الغيب نرى من خلالها أحداثًا كبرى مطلة على زماننا.
فهذه الأسباب تجعلنا نرى في هذا الثلث الأخير من
القرن العشرين، كأنه النهر قرب شاطئ البحر وقد بلغ المصب، بعد أن تجمعت فيه جميع روافده من المياه، التي انحدرت من أعالي الجبال في أقصى داخل البلاد. فالثلث الأخير يبدو هكذا تلك الفترة من التاريخ التي
1 / 12
تتجمع فيها كل روافد التاريخ، بكل نتائجها النفسية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وكل التغيرات المترتبة على هذه النتائج. وعليه فإن هذه المسوغات تكفي لتسويغ اختيارنا له بصفته حقبة زمنية استثنائية في التاريخ، يكون دور المسلم فيها شيئًا استثنائيًا أيضًا، يجب إدراجه بطريقة خاصة في الدور العام الذي حدده له القرآن الكريم بوصفه شاهدًا، وذلك أمر يجب أن يدخل في اعتبارنا ويجب أن نقدره بقدر ما يمكننا من الواقعية، حتى نقدم لشبابنا الصورة الموضوعية، التي يرى من خلالها دوره هو ودور إخوانه الآخرين فيه، لأن رسالة الجيل الناشئ ستحقق على أية حال إما سلبية أو إيجابية فيه، فهو ثلث تحقق رسالته.
ولكي نتبين طبيعة هذا الدور، الذي يجب على الشباب المسلم أن يتصدى- منذ الآن- للاضطلاع به في هذه الحقبة المواجهة له، المنفتحة أمامه، يجب أن نراجع بعض السمات التي يتميز بها هذا الثلث الأخير في العالم المتحضر، لأن مركز الفكر العالمي اليوم يوجد على محور
1 / 13
سبق أن سميناه، في كتاب سبق نشره (١)، محور (واشنطن- موسكو)، محور القوة، محور العلم، محور الحضارة.
يجب إذن أن نلتفت إلى هذا المحور، مركز الثقل الذي تطبع عليه الأحداث كل أبعادها العالمية، ونتساءل ما الذي طرأ على هذا المحور؟ ماذا حدث فيه خلال القرن العشرين؟ ما هي التسجيلات الخاصة - وهذا ما يهمنا- في العالم الثقافي وفي العالم النفسي عليه؟
إن الأجيال في هذا المجتمع المتحضر عاشت على رصيد
ثقافي ورثته من الأجيال السابقة، أعني أنها عاشت على رصيد المسوّغات التي دفعت عجلة التاريخ في القرون الماضية، وخصوصًا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. والذي يبدو- خاصة إذا رجعنا إلى فترة ما بعد الحربين العالميتين- أن هذا الرصيد من المسوّغات الضرورية لتحمّل أعباء الحياة، بدأ ينفد، وبدأت
_________
(١) الفكرة الإفريقية الآسيوية.
1 / 14
الشعوب التي تعيش على محور (واشنطن- موسكو)، الشعوب المتحضرة، بدأت تشعر جميعها بنفاد رصيدها الثقافي، رصيد مسوّغات حياتها التقليدية الموروثة عن أجدادها، وبدأت فعلًا تجري عمليات تعويض في شتى الميادين، حتى في ميدان الأدب حيث نرى لونًا جديدًا يظهر تحت اسم (الوجودية).
وإذا كان من حق أصحاب هذا اللون من الأدب أن يحللوا القضية من الناحية الأدبية، كما يفعل (كير كجارد وهايدجر وسارتر)، في كل من الدانمرك أو ألمانيا أو فرنسا، فإن من حقنا نحن أن نحلله من ناحية أخرى. فنرى فيه رد فعل أدبي على شعور غامض لفقدان المسوغات في المجال النفسي.
والسؤال الآن كيف فقدت هذه المسوغات، التي تحركت ودارت عليها عجلة التاريخ طيلة القرون الماضية في أوربة؟
لنتصور كيف كان ينشأ الطفل في زمان (كيبلنج) مثلًا أو في زمان (أرنست رنان) مثلًا.
1 / 15
كيف كان ينشأ في بيته؟ ثم كيف يتعلم في مدرسته؟ ثم كيف كان يتوجه في عمله بعد التخرج من الجامعة، أو عندما يبلغ أشده ويتوجه إلى الحياة العملية جنديًا في تلك الجيوش التي تفتح البلدان التي تسمى المستعمرات.
كان الطفل في ذلك الوقت ينشأ وحوله جو من الأفكار منبتها الاستعمار، أي المناخ الاستعماري الذي تكوَّن في أوربة وفي أمريكة على حدٍّ سواء، وفي الاتحاد السوفييتي قبل الثورة أيضًا. هذا المناخ الاستعماري هو الذي كان ينشأ فيه الطفل منذ ولادته، نشأة لا يبدو معها غريبا في هذا المناخ الذي كان يسود العالم المتحضر " أن يقوم من فرنسا كاتب قصصيى كبير في أواخر القرن الماضيى هو (جلفرن)، ليكتب عن ملحمة لا تمت بصلة إلى بطولة الفرنسيين أو بطولة الجيش الفرذسي، هي ملحمة عنوانها (ميشال ستروجوف)، بل تتصل بفتح روسيا للبلاد الإسلامية في بخارى.
وكانت قصة غريبة فعلًا، إن دلت على شيء فإنما تدل على سيادة المناخ الاستعماري شرق البلاد وغربها، ذلك
1 / 16
المناخ الذي سيتم فيه إبرام الميثاق الاستعماري في مؤتمر برلين ١٨٨١م، حيث كان الضمير الأوربي، الضمير المتحضر يعيش هذه الملحمة المتفقة مع روح ذلك الميثاق، فلا نستغرب معه استعمال تسميات الاكتشافات الاستعمارية والفتوحاف الاستعمارية. لكن الشيء الذي يهمنا نحن من جانب التحليل اليوم- كي نعود إلى موضوعنا- هو كيف فقدت المسوغات؟
كان الطفل يشبع جانب تعطشه للأشياء الغريبة والقصص النادرة وقصص البطولات، في جو الاستعمار وفي ملحمة الفكرة الاستعمارية نفسها، لذلك لا نستغرب أن نرى رجلًا كـ (ستانلي) في أواخر القرن الماضي، نشأ في هذا الجو وتكونت عنده فكرة الاكتشافات وفكرة الفتوحات، نراه يغادر وطنه وينزل إلى إفريقية الوسطى فيحتل قطاعا ًكبيرًا منها. لقد كان يرى ما يراه على الخريطة قطعة بيضاء فراودته الفكرة أن يلونها بلون ما، وكان اللون الأحمر على الخرائط المستعملة في أواخر القرن الماضي مخصصًا لتلوين
1 / 17
المستعمرات الفرنسية، واللون الأخضر لتلوين المستعمرات الإنجليزية، واللون البني لتلوين المستعمرات البرتغالية، واللون الأصفر لتلوين المستعمرات الهولندية إلخ ... فأراد (ستانلي) أن يلون قطعة ما من إفريقية بلون يخول هذه القطعة أن تكون هدية لأوربة بصفتها مستعمرة، وقد أهداها فعلًا لما تمَّ وضع اليد عليها- على الكونغو-، إلى تاج بلجيكا وكأنها ملك أجداده أو قطعة من تَرِكَتهم يقدمها إلى ملك أو ملكة بروكسل.
أما إذا كان هذا الأوربي جنديًا فإن نشأته في هذا الجو، تصور له أن المجال لأداء واجباته الوطنية وواجباته العسكرية، هو قطاع من قطاعات إفريقية وآسية.
هكذا كانت الأمور تسير، وهكذاكانت تتفتح نفوس الأطفال في أوربة. يضاف إلى ذلك تدخل بعض الأشياء ذات الجانب الخفي، الجانب الذي يتصل بما نسميه الصراع الفكري؛ الأشياء التي تصور لهذا الطفل
1 / 18
الناشئ حتى قبل دخوله إلى المدرسة الابتدائية أو قبل خروجه منها- في مجلات متخصصة للأطفال- تصور له آيات البطولة في إفريقية على حساب أولئك البرابرة من السود أو من الصفر، مما يجعله يعتقد عندما ينزل بلادًا مثل (شنكهاي) في أواخر القرن الماضي، أنه هو رب الصين. فيضع لافتة على باب الحديقة- رأيناها نحن عندما زرنا الصين، لأن الحكومة الصينية تركتها كما هي بعد خروج الاستعمار منها- كتب عليها «لا يدخل هذه الحديقة الكلاب ولا الصينيون»، بعض الكلاب طبعًا. لقد كان ترتيب الكلمتين الكلاب أولًا والصينيون ثانيًا.
هذا هو المناخ الذي كانت تتكون فيه نفوس الأطفال ونفوس الشبان ونفوس الرجال، وهذا هو المناخ الذي كانت تنطلق فيه الطاقات- طاقات لا نحتقرها فعلًا- كتلك الطاقة الجبارة التي نتصورها في شخص مثل الأب (دوفوكو)، الذي تطوع أن يذهب في سنة ١٩٠٨م على الأقدام، من مدينة في جنوب
1 / 19
الجزائر، لفتح القطاع الصحراوي حتى حدود ما يسمى بالسودان الغربي. فهذه الأشياء كانت تغمر الحياة الأوربية بفيض من المسوغات. وربما كانت هناك منابع أخرى لهذه المسوغات فقدت أو جَفّ نبعها بعد الحرب العالمية الأولي والثانية، بسبب تطورات تتصل بما حدث مثلًا بشأن الروابط الخفية أو الظاهرة بين مجالي العلم والنفس.
فبقدر ما كانت تتحقق اكتشافات علمية كبرى في أوربة، بقدر ما كانت تترك صداها على المجال النفسي، وأثرها الكبير في التطور الروحي، حتى بدأت تفتر بعض المسوغات الروحية لأسباب لا نطيل عندها الوقوف، حتى لا نتعدى بعض الحدود من اللياقة.
هكذا فقدت المسوغات الروحية، وفقدت حتى المسوغات التي نسميها المسوغات الاجتماعية، المسوغات الموضوعية .. وإذا أردنا أن نعرف المسوغات الموضوعية نذكر على سبيل المثال، ما كان لهم من ثقة بكلمتي العلم والحضارة، فقد كانت هذه الثقة هي منطلق الأفكار
1 / 20
الأوربية في القرن التاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين، خصوصًا قبل الحرب العالمية الأولى.
والصلة بين هذين الجانبين واضحة. فحينما تفقد
حياة ما أو مجتمع ما مسوغاته، لابدَّ أن يقوم بعمليات تعويض: يستبدل بمسوغات قديمة أو تقادمت، أو فقدت تأثيرها في الحياة الاجتماعية، بصفتها دوافع قوية للحياة الفكرية والعلمية والعسكرية والاقتصادية، يستبدل بها مسوغات جديدة.
فإذا لم تأت عملية التعويض كما ينتظر منها بالمسوغات الجديدة فماذا يحدث عندئذ؟
تحدث الأزمة الخطيرة التي يعيشها العالم المتحضر اليوم.
فالعالم المتحصر اليوم، يبدو أنه قد أخفق في عملية التعويض، سواء من الجانب الأدبي كمحاولة الوجودية مثلًا، أو من الجانب السياسي كمحاولة الرجوع لأصله الأوربي، بحثًا عن منطلقات جديدة لأفكاره ولنشاطاته
1 / 21