The Reality of Servitude
حقيقة العبودية
Penerbit
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
والملاحظ أن الشرائع السماوية مختلفة في بعض أعمالها وهيئاتها ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]؛ إلا أنها تشترك جميعها في كونها تعبر عن معاني العبودية لله ﷿، والتي لا ينبغي أن تختلف من شخص لآخر مهما كان وضعه أو مكانه أو زمانه الذي يحيا فيه.
ومن أمثلة اختلاف شرائع من قبلنا عن شريعتنا قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام:١٤٦].
وأخرج الإمام أحمد في الزهد أن وهب بن منبه سُئل: ما كان شريعة أيوب ﵇؟ قال: التوحيد وصلاح ذات البين، وإذا أراد أحدهم حاجة إلى الله ﷿ خر ساجدا ثم طلب حاجته (١) ..
لا بديل عن الاتباع:
قد يقول قائل: ولماذا لا يُترك الناس للتعبير عن عبوديتهم لله ﷿ حسب ما يرون؟
لو تُرك للناس تحديد الأعمال التي يظهرون من خلالها عبوديتهم لله ﷿ لحدث اختلاف كبير بينهم، ولتشدد البعض وتسيب البعض الآخر.
فعلى سبيل المثال: قد يرى إنسان أن إظهار المسكنة لله ﷿ يستلزم أن يظل واقفا تحت أشعة الشمس فترة طويلة من الوقت، أو ألا ينام أو يأكل أو يتزوج.
وقد يرى بعض الناس مثلا أنه ما دام القلب متجها إلى الله فليس من الضروري القيام بأعمال أو طاعات له سبحانه ...، وهكذا.
من هنا تظهر قيمة الالتزام بالعبادات والشرائع التي جاءت بها الرسل والتي شرعها الله ﷿ لعباده، وهو أعلم بهم، وبما يناسبهم من أعمال تُعبر عما في قلوبهم تجاهه سبحانه.
بل إن من أهم مظاهر العبودية: الانقياد والاستسلام لله ﷿ وطاعة رسوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:٣١].
قيمة عبادات الجوارح:
إذن فالعبادة التي نؤديها بالجوارح ما هي إلا شكل ووعاء علينا أن نُظهر من خلاله معاني العبودية لله ﷿ من ذل وانكسار وافتقار، وحب وخوف ورجاء، وخضوع واستكانة.
فالصلاة بالهيئة التي طالبنا الله بها علينا أن تُظهر من خلالها التواضع والانكسار والذل والخضوع له سبحانه. . . تأمل معي هيئة السجود وما فيها من معاني الذل والخضوع ... قال ﷺ: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء " (٢).
أما الزكاة والصدقة فهي عبادات تُظهر مدى حبنا لله ﷿ ومدى انتصار هذا الحب على حب المال الذي تعشقه النفس.
والصوم عبادة تُظهر مدى تضحيتنا وحبنا لله ﷿ أكثر من حبنا للطعام والشراب .. أما الحج فيظهر مدى استسلامنا، وانقيادنا لأمره سبحانه.
والذكر كذلك: فالتسبيح يعبر عن تعظيم الله وتنزيهه، والاستغفار يُعبر عن الشعور بالتقصير في جنبه سبحانه، والحوقلة تُظهر الإفتقار والمسكنة إليه ... وهكذا.
فالعبادات إذن ما هي إلا منظومة تُظهر معاني العبودية لله ﷿.
ولكي تؤدي هذه العبادات دورها في إظهار العبودية، لا بد من حضور القلب وتفاعله معها .. حضور مشاعر الحب والخوف والرجاء، ليزداد خلالها خشوعه وخضوعه لله ﷿ كما قال تعالى واصفا عباده الصالحين: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء:١٠٩].
_________
(١) الزهد للإمام أحمد، ص (٤٢) - دار الكتب العلمية - بيروت.
(٢) رواه مسلم (٢: ٤٩ - ٥٠).
1 / 14