The Prophetic Biography between Narrated Traditions and Quranic Verses
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Genre-genre
يَقُم مناهضو الدعوة، أو بعضهم لمثل ذلك ليجنبوا قومهم، أنفسهم تلك المواجهات الدامية؟ أو الادعاء على النبي ﷺ ونبذه بذلك؛ ليظهروا كذبه فيما ادعى؟
إنَّ معاملة الرسول لقومه، وللناس كافة من أول يوم بهذا الخلق الحسن إلى آخر يومٍ في حياته لَيدل دلالة قاطعة على أنَّه ليس له من أمره شيء، وأن الموجه له لا علاقة له بنفسه، ولا من داخله، ولا لهدف آخر يسعى إليه، بل هو شيء فوق طاقته لا يستطيع له ردًا ولا دفعًا، إنما هو يُنفذ أوامر هذه القوة الخارجة العليا، ليس غير، لا ينتظر من وراء ذلك إلا رضا هذا الإله عنه، لا يلوي على غير ذلك، ولا يخشى أحدًا ولا ينتظر جزاءً أو شكورًا من أحد، فضلًا عن أي غرض مادي أوحسي آخر، وهو يلهج بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)﴾ [يونس: ١٦]، وقد جاءت آيات كثيرة في هذا السبيل، وكذلك في سياق أنه لا يملك من أمر نفسه شيئًا، وإلا لما عرَّض نفسه لذلك كله بغير أية أغراض حصلها في الدنيا، كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠)﴾ [الأنعام: ٥٠]، وكقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩)﴾ [يونس: ٤٩].
وإذا انتهينا من هذه النقطة، فلابد من الإشارة إلى أمر مهم من فهم أخلاقه ﷺ، وهو: مع أن الله جَبَلَه على عظيم الأخلاق، وأنه ما بعث لدعوة الحق إلا وهو كذلك، فإن أخلاقه بعد البعثة كانت في ارتفاع وعلو دائم، إذ لا يوصف شيء بالثبات في الدنيا، وفي ذلك نقدم بما يقول سيد قطب: ما أن أخلاقية الإسلام لا تستمد ولا تعتمد على اعتبارات أرضية من العرف أوالمصلحة أوغيرها، إنما تستمد من السماء وتعتمد على السماء، تستمد من هتاف السماء للأرض لكي تتطلع إلى الأفق، وتستمد من صفات الله المطلقة ليحققها البشر في حدود الطاقة، كي يحققوا إنسانيتهم العليا. ومن ثم فهي غير مقيدة ولا محدودة بحدود؛ إنما
1 / 41