المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين
Genre-genre
وقال أيضًا: "فطلب معرفة التوحيد الواجب على العبيد من أهم المطالب وأنجح المآرب، فالشرك في الربوبية لم يقل به أحد من الكفار، ولا قال أحد بوجود خالقين واجبي الوجود وإن حصل من بعض الكفار التعطيل في الربوبية كتعطيل فرعون وأضرابه.
وأما الشرك في الألوهية فهو أنواع بحسب تأله المتألهين وزعم الزاعمين، ولم يقل أحد أنّ للعالم إلهين متماثلين متكافئين إلا الثنوية، وأما الوثنية العابدون ما سوى الله فإنهم لا يقولون بالتعدد، وإن أطلقوا عليها اسم الآلهة" (^١).
وقال أيضًا عن حديث الأعمى: "قال الطيبي: الباء في بك للاستعانة، وقوله: (إني توجهت بك) بعد قوله (أتوجه إليك) فيه معنى قوله تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ﴾ فيكون خطابًا لحاضر معاين في قلبه مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه عليه الصلاة السلام الذي هو عين شفاعته، ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيد كل ذلك أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه، فكأنه استحضره وقت ندائه، ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابية والقرائن الاعتبارية" (^٢).
• وقال العلامة إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الشهيد (المتوفى:١٢٤٦): "نداءُ الأموات من بعيد أو قريب للدعاء إشراك في العلم، وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾، وقد دلت هذه الآية على أن المشركين قد أمعنوا في السفاهة فقد عدلوا عن الله القادر العليم إلى أناس لا يسمعون دعاءهم، وإن سمعوا ما استجابوا، وهم لا يقدرون على شيء.
فظهر من ذلك أن الذين يستغيثون بالصالحين الذين كانوا في الزمن السابق من بعيد، وقد يكتفي بعض الناس فيقولون: يا سيدنا ادع الله لنا يقض حاجتنا، ويظنون أنهم ما أشركوا، فإنهم ما طلبوا منهم قضاء الحاجة، وإنما طلبوا منهم الدعاء، وهذا باطل؛ فإنهم وإن لم يشركوا عن طريق طلب قضاء الحاجة، فإنهم أشركوا عن طريق النداء، فقد ظنّوا أنهم يسمعون نداءهم عن بُعد كما يسمعون نداءهم عن قرب، وكان ذلك سواء في حقهم، ولذلك نادوا من مكان بعيد مع أن الله ﷾ قال: ﴿وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ " (^٣).
وقال أيضًا: "والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقًا مع آلهتهم إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء والأئمة والشهداء والملائكة والجنيات، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وحذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل.
فما أجرأهم على الله! وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى والحقيقة والدعوى، وصدق الله العظيم، إذ قال في سورة يوسف: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ ...
_________
(^١) المصدر السابق (ص: ١٢٠).
(^٢) المصدر السابق (ص: ١١٣ - ١١٤).
(^٣) رسالة التوحيد المسماة بـ تقوية الإيمان (ص: ١٠٥) دار وحي القلم - دمشق.
1 / 55