فإن من يسمع هذا البيت يسبق إلى ذهنه أن الباء الجارة لـ "العطاء" متعلقة بـ "المن"؛ ليكون التقدير: المنُّ بالعطاء داعٍ للذم، وعليه مدار المعنى. غير أن هذا التقدير ممتنع من جهة الإعراب؛ لأنه يلزم منه ارتكاب محذورين؛ أحدهما: الفصل بين المصدر ومعموله١. والآخر: الإخبار عن المصدر قبل تمام عمله، أي فيما تعلق به من مجرور وغيره.
فيُخرج البيت على تعليق الباء بمحذوف؛ كأنه قيل: المنُّ للذمِّ داعٍ المنّ بالعطاء، فـ "المنَّ" الثاني يدل على "المنِّ" الأول، فحُذف وأُبقي ما يتعلق به دليلًا عليه٢.
تقديم "مِنْ" ومجرورها على أفعل التفضيل:
إذا كان أفعل التفضيل مجردًا جيء بعده بـ "مِنْ" جارةً للمفضَّل عليه نحو: محمدٌ أكرمُ من خالدٍ. و"مِنْ" ومجرورها بمنزلة المضاف والمضاف إليه، لا يجوز تقديمها عليه، كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف١.
ويتعيّن تقديم "مِنْ" ومجرورها على أفعل التفضيل إذا كان المجرور اسم استفهام أو مضافًا إلى اسم استفهام٢.
أما إذا كان المجرور بـ "من" غير استفهام لم يجز تقديمه على أفعل التفضيل إلا في ضرورة الشعر عند كثير من النحويين٣، كقول الفرزدق: