218

The Music of Remembrance

العزف على أنوار الذكر

Genre-genre

وهي في منهاجها التصريفي قد لا حظت العلاقة بين طبيعة أثر الصورة الصوتية للكلمة، والمعنى الذي تقوم الكلمة بحمله في سياقها الذي تدرج عليه،فهى لغة موسيقية موزونة فى حروفها ومفرداتها وتراكيبها فحروفها موزعة المخارج الصَّوتيَّة توزيعًا موسيقيًّا وافيًا، فليس هناك مخرجٌ صوتيٌّ واحدٌ ناقصٌ فى الحروف العربية التى قسمت على حسن موقعها من أجهزة النطق المستخدمة أحسن استخدام يهدى إليه الافتنان فى الإيقاع الموسيقيّ، فاذا هى لغة شاعرة فى حروفها قبل أن تتألف منها كلمات.
والوزن والانسجام هما دعامة بناء الكلمة المفردة فى العربية، فاذا التوازن بين العناصر الصوتية للكلمة وافر باهر من جهة وهو يبيّن صورة المبنى ومافيه من المعنى كذلك، وكثيرًا ما يسترشد بالمبنى فى نسقه الصوتيّ على فقه المعنى ولا نجد لغة كالعربية تناسقت منها أصوات كلماتها من جهة وتناسقت تلك الهيئة الصوتية المركبة فى كلمة مع معناها، فاذا الأحداث بادية فى الأصوات وإذا الأرواح تنِمُّ عنها الأجسادُ،أو يَشِي المظهر بالمخبر (١)

(١) - راجع في هذا ما قال " العقاد" في " اللغة الشاعرة " في فصول:" الحروف، والمفردات، والإعراب.
وقد كتب من قبله " ابو فهر" ثلاث مقالات في مجلة " المقتطف" بعنوان: (علم معاني أصوات الحروف) في المجلد ٩٦،٩٧ - مارس،أبريل ومايو ١٩٤٠، وأعيد نشر المقالات في كتاب (جمهرة مقالات الاستاذ محمود محمد شاكر) ج٢ ص ٧٠٨-٧٣٥- جمع: د/ عادل سليمان جمال – مكتبة الخانجي سنة ١٤٢٤ هـ
يقول الشيخ أبو فهر – ﵀:" أريد بقولي " معاني أصوات الحروف " ما يستطيع أن يحتمله صوت الحرف – لا الحرف نفسه – من المعاني النفسية التي يمكن أن تنهض بها موجة اندفاع من مخرجه ... وما يتصل بكلّ هذه من مقومات نعت الحرف المنطوق.
وليست المعاني النفسية – أو العواطف أو الإحساس – هي كلّ ما يستطيع أن يتحمله صوت الحرف بل هو يستطيع أن يحتمل – أيضًا – صورا عقلية معبرة عن الطبيعة وما فيها من المادة، وما يتصل بذلك من أحداثها أو حركاتها أوأصواتها أو أضوائها أو غير ذلك...." (الجمهرة:٢/٧٠٨)
وهذا المذهب الذي يغدو فيه أبو فهر مبعثه الإيمان بالعلاقة الوطيدة بين الصوت والمعنى، وأن أصوات الكلم ليست إشارات إلى معان زنيمة لا علاقة لها بها، وأنَّ تشكيل كلمة (ضرب) على هذا النحو له علاقة بالمعنى النفسي والعقلي للحدث، وأنّه لا يكون في طبيعة اللغة أن يدل على ذلك المعنى النفسي للحدث قولنا (ربض) أو (رضب) أو غيره من التقليبات الصوتية للحروف،أو أن يدل عليه كلمة من مادة أخرى.
وكلام ابن جنّي في هذا الباب قائم بين يدي طلاب العلم حتّى غدا مما اشتهر من العلم، وهو باب لطيف طريف دال على حكمة العربية في وضعها الأول سواء قلنا إن مبدأها توقيف أو مواضعة توفيقية اصطلاحية.

1 / 218