المطلب الثالث: نبذة مختصرة عن أصول مذهب الحنابلة:
مما هو معلوم أن كل إمام من الأئمة الأربعة، كانت له أصول في الاستدلال، من خلالها يتم التوصُّل إلى استنباط الأحكام الشرعية، ومن هؤلاء الأئمة الإمام أحمد بن حنبل ﵀ مؤسس المذهب الحنبلي، فلقد كانت له أصول يتوصل من خلالها لمعرفة الحكم الشرعي، وكان ﵀ أعلم بالكتاب والسنة والآثار.
قال ابن تيمية ﵀ في ثناءه على الإمام أحمد ﵀: (كان أعلم من غيره بالكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصًا كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه، يكون قوله فيها راجحًا). (^١)
وقد قام أصحابه من بعده بتدوين هذه الأصول في كتبهم، وكان استنباطهم لها من خلال فتاويه، وأقواله، ومسائله.
قال ابن القيم ﵀: (كان أحمد ﵀ شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جدًا، فعلم الله حسن نيته وقصده، فَكُتِبَ من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سِفْرًا (^٢)، وَمَنَّ الله سبحانه علينا بأكثرها؛ فلم يَفُتْنَا منها إلا القليل، فقام الخلال (^٣) بجمع نصوصه في «الجامع الكبير» (^٤) فبلغ نحو عشرين سِفْرًا أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله وحُدِثَّ بها قرنًا بعد قرن، فصارت إمامًا وقدوةً لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم).