216

The Hereafter - Muhammad Hassan

الدار الآخرة - محمد حسان

Genre-genre

عظيم قدرة الله تعالى إنها قدرة الله، يا إخوة! إن من يحاول أن يصل بعقله إلى حدود قدرة الله كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلًا من مكان إلى آخر، إن قدرة الله لا حدود لها: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:٨٢]، ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران:٥٩] فلا تفكر بعقلك لتصل إلى منتهى قدرة الملك، فإن قدرة الله لا تحدها حدود، ولا يعجز الله شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الذي خلق السماء بغير عمد ترونها؟! من الذي خلق الأرض، وشق فيها البحار والأنهار، وزينها بالأشجار؟! من الذي خلق الإنسان بهذا الإبداع والجمال؟! يد من التي امتدت إلى عينيك وأنفك وأذنك، فجعلت ماء الأذن مرًا، وماء العين مالحًا، وماء الأنف حامضًا، وماء الفم حلوًا، وأصل هذا الماء واحد وهو رأسك أيها الإنسان؟! يد من التي امتدت إلى سنبلة القمح فغلفتها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة، وجعلت فوق كل حبة شوكة؛ لأن الله قد قدر أن تكون هذه الحبة طعامًا لك -أيها الإنسان- ولم يقدر أن تكون طعامًا للطيور أو غير ذلك؟! يد من التي امتدت إلى كوز الذرة فرصت على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الإتقان والجمال والإبداع؟! يد من التي نجت يوسف من غيابة الجب؟! يد من التي نجت يونس من بطن الحوت؟! يد من التي نجت الحبيب المصطفى ليلة الهجرة؟! يد من التي نجت الخليل إبراهيم من وسط النيران؟! إنه الله، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر:٢٢ - ٢٣]. قل للطبيب تخطفته يد الردى يا زاعمًا شفا الأمراض من أرداك قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاك قل للبصير كان يحذر حفرةً فهوى بها من ذا الذي أهواك بل سائل الأعمى خطًا وسط الزحا م بلا اصطدام من يقود خطاك وسل الجنين يعيش معزولًا بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة ما الذي أبكاك وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فسله من ذا بالسموم حشاك واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدًا وقل للشهد من حلاك إنه الله!! ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٢١]، انتهى الأمر وقدره الله ﷿. كن عن همومك معرضًا ودع الأمور إلى القضا وانعم بطول سلامة تسليك عما قد مضى فلربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا الله يفعل ما يشاء فلا تكن متعرضا ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم:٢١] فهو الذي خلق الخلق، خلق آدم يوم خلقه بلا ذكر أو أنثى، بلا أب أو أم!! الأمر لا يحتاج إلى تفلسف أو تعمق على الإطلاق: ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٢١]، لا جدال فيه ولا نقاش ولا نزاع، فاطمأنت العذراء الطاهرة، وانشرح صدرها، واطمأنت نفسها وسكن فؤادها، وعلى الفور نفخ جبريل في جيب درعها -أي: في أعلى القميص- فحملت بأمر ربها: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم:١٢].

19 / 5