العبادات المحضة، فعلى وجه الاختصار١ والإيماء؛ كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه، فإنه على وجه الإيجاز٢ والإشارة.
فإن قلت: فلِمَ لا أفتتح القرآن بهذه السورة مقدَّمة على سورة البقرة؛ لأن بدء الخلق سابق٣ على الأحكام والتعبدات؟!
قلت: للإشارة إلى أن مصالح الدين والآخرة مقدَّمة على مصالح المعاش والدنيا، ولأن٤ المقصود [من الخلق] ٥ إنما هو العبادة، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع٦، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة، وعلم٧ الأحكام والتكاليف متعين على كل واحد؛ فلذلك لا ينبغي النظر في علم بدء الخلق وما جرى مجراه من التواريخ إلا بعد النظر في علم الأحكام وإتقانه.
ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر -أتقن مما تقدم- وهو: أنه لما ذكر في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا﴾ "المائدة: ٨٧" إلى آخره [ثم ذكر بعده: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَة﴾ "المائدة: ١٠٣" إلى آخره] ٨ فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء