The Harmony of Reason and Revelation in Ibn Rushd
العقل والنقل عند ابن رشد
Penerbit
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Nombor Edisi
السنة الحادية عشرة-العدد الأول
Tahun Penerbitan
غرة رمضان ١٣٩٨هـ/١٩٧٨م
Genre-genre
يرحمكم من في السماء"، وصفة الرضاء المأخوذة من قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (المائدة: ١١٩) وغير ما ذكر من نصوص الصفات التي جاءت في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، والتي سلط عليها أهل الكلام وكثير من الفلاسفة صنوف التأويل البعيدة عن مراد المتكلم بها، والتي أبعدت كثيرًا من الناس عن المفهوم الصحيح لنصوص الصفات، ويضرب أبو الوليد مثالًا رائعًا لهذا الصنف من الناس فيقول: "ومثال من أوّل شيئًا من الشرع وزعم أنّ ما أوله هو ما قصده الشرع، وصرح بذلك التأويل للجمهور - مثال من أتي إلى دواء قد ركبه طبيب ماهر ليحفظ صحة الناس أو الأكثر، فجاء رجل فلم يلائمه ذلك الدواء المركب الأعظم لرداءة مزاج كان به ليس يعرض إلا للأقل من الناس فزعم أن بعض تلك الأدوية التي صرح باسمه الطبيب الأول في ذلك الدواء العام المنفعة المركب لم يرد به ذلك الدواء الذي جرت العادة في اللسان أن يدل بذلك الاسم عليه، وإنما أريد بد دواء آخر مما يمكن أن يدل عليه بذلك الاسم باستعارة بعيدة، فأزال ذلك الدواء الأول عن دلك المركب الأعظم، وجعل بدله الدواء الذي ظن أنه الذي قصده الطبيب وقال للناس هذا هو الذي قصده الطبيب الأول، فاستعمل الناس ذلك الدواء المركب على الوجه الذي تأوله عليه هذا المتأول ففسدت به أمزجة كثير من الناس فجاء آخرون شعروا فساد أمزجة الناس عن ذلك الدواء المركب، فراموا إصلاحه، بأن بدلوا بعض أدويته بدواء غير الدواء الأول فعرض للناس من ذلك نوع من المرض غير النوع الأول، فجاء ثالث فتأول من أدوية ذلك المركب غير التأويل الأول والثاني فعرض للناس من ذلك نوع ثالث من المرض غير النوعين المتقدمين فجاء متأول رابع فتأول دواء آخر غير الأدوية المتقدمة، فلما طال الزمان بهذا المركب الأعظم وسلط الناس التأويل على أدويته وغيروها وبدلوها عرض للناس منه أمراض شتى، حتى فسدت المنفعة المقصودة بهذا الدواء المركب في حق أكثر الناس. وهذا هي حال الفرق الحادثة في هذه الطريقة مع الشريعة، وذلك أن كل فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلًا غير التأويل الذي تأولته الفرقة الأخرى، وزعمت أنه الذي قصده صاحب الشريعة حتى تمزق الشرع كل ممزق وبعد جدًا عن موضعه الأول.
ولما علم صاحب الشرع ﵊ أن مثل هذا يعرض ولا بد في شريعته قال: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تأوله تأويلًا صرحت به للناس، وإذا تأملت ما في هذه الشريعة في هذا الوقت من الفساد العارض فيها من قبل التأويل تبينت أن هذا المثال صحيح، وأول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية ثم الصوفية". إلى آخر كلامه في هذا المعنى، حقًا إنه لمثال صحيح وسليم لو سلم من شيء واحد وهو ما جاء في تفسير أبي الوليد للحديث الذي استشهد به، إذ يقول: وهو يصف الفرقة التي تنجو من النار وتفوز بدخول الجنة وحدها "يعني بالواحدة التي سلكت ظاهر الشرع ولم تأوله تأويلًا صرحت به للناس" يفهم من هذا التفسير الغريب أن التأويل المذموم - في نظر ابن رشد، هو التأويل
1 / 81