The Fundamentals of the People of the Sunnah and the Community
أصول أهل السنة والجماعة
Genre-genre
الأدلة على فضل الصحابة من الكتاب والسنة
إذا خلت القلوب مما يسوء فلابد أن تمتلئ بما يسر تجاه أصحاب النبي ﵊، كيف لا وقد ثبتت خيريتهم، والخطاب بالدرجة الأولى موجه إليهم، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:١١٠]، وإذا كان هذا الخطاب عامًا لجميع الأمة إلا أن المخاطب به أولًا هم أصحاب النبي ﵊، فهم أولى الناس بالخيرية، وقد جاء ذلك صريحًا في قوله ﵊: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، فهذا إثبات لخيرية أصحابه ﵊، ولم يستثن النص في كتاب الله ولا في سنته ﵊ من أصحابه أحدًا، ومن الخطأ أن يدخل في نظر الجهال في عموم الصحبة المنافقون، فهم ليسوا صحابة على الحقيقة؛ لأنهم عند الله كفار.
ولذلك عرف العلماء الصحابي بأنه: من آمن برسول الله ﵊ ولقيه ومات على ذلك، فمن لم يؤمن به كالمنافقين والملاحدة وغيرهم ليسوا صحابة على الحقيقة، قال ﵊: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده)، وهذا قسم منه ﵊ وهو الصادق المصدوق من غير قسم، فكلامه من المسلمات عند أهل السنة والجماعة والتوحيد: (والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
أما قوله: (لا تسبوا أصحابي) فالنهي يقتضي التحريم لأول وهلة إلا أن يصرفه صارف ولا صارف هنا، فالوقيعة في الصحابة علامة على بدعية الساب والشاتم، وأنه مبغض شانئ لهم، فإذا صدر من واحد سب لأصحاب النبي ﵊ على العموم كفر بذلك.
قال شيخنا علامة الزمان وعلامة المسلمين قاطبة محمد بن صالح العثيمين عليه رحمة الله، وأعلى الله ذكره في الآخرة كما أعلى ذكره في الدنيا: وإني لأعجب ممن يشك في تكفير من كفر الصحابة.
وهذا كلام مشعر بإجماع أهل السنة والجماعة على أن من كفر الصحابة على العموم والإطلاق فإنه يكفر بذلك ويخرج من دائرة الإيمان والإسلام إلى حظيرة الكفر، كيف لا وهم الواسطة بين النبي ﵊ وبين عموم الأمة إلى قيام الساعة، ولولاهم لما نقل إلينا الكتاب ولا السنة، ولما عرفنا الحق من الباطل، ولما تعلمنا الحلال ولا الحرام.
فإنهم سهروا ليلهم دراسة وعلمًا وعملًا كي تصلح الأمة، كما أنهم أول من نشر الفضائل والأخلاق الحسنة بين عموم الأمة إلى قيام الساعة، وهذا يعلمه من طالع سيرتهم في كتب سيرهم ويعلم ذلك يقينًا، فلم يكن الصحابة أصحاب كلام، بل كانوا أصحاب عمل بالدرجة الأولى، كما أن بداية الفتوحات التي تمت في شرق الأرض وغربها كانت على أيديهم، وهم الذين بذلوا الغالي والنفيس، بذلوا الدماء والأموال في سبيل نصرة دين الله ﷿، وإعلاء كلمة الله ﷿ خفاقة عالية في سماء الدنيا شرقًا وغربًا، وهم الذين حرصوا على إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فكان الواحد منهم بأمة كاملة، هؤلاء هم أصحاب النبي ﵊، فرسان بالنهار رهبان بالليل، من مثلهم؟ ومن يدانيهم فضلًا عن أن يساويهم في الفضل والعلم والعمل؟ أثنى الله ﷿ عليهم وأثبت رضاه عنهم في كتابه في غيرما آية، ففي سورة الحشر يقول الله ﷿: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [الحشر:٨]، من منا يخرج من داره وأهله وماله كما خرجوا؟ قال: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الحشر:٨]، وهذا يدل على إخلاصهم كذلك، خروج مما يملكون، بل من أعز ما يملكون، ودخول في أمر لا يبتغون من ورائه إلا رضا الله ﷿ قال: ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الحشر:٨] جمعوا بين الإخلاص القلبي والعمل الظاهري، ونعم العمل ما عملوا.
قال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر:٨]، فهذا وصف من الله ﷿ لهم بأنهم ما عملوا ذلك إلا صدقًا مع الله ومع رسوله ﵊.
ثم أثنى الله تعالى على طائفة أخرى منهم وهم الأنصار.
قال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ [الحشر:٩]، والحب عمل قلبي، فربما تظاهر الناس بأنهم يحبون القادم عليهم ويحبون الضيف الذي نزل بهم، لكن الله تعالى هو الذي أخبر عن مكنون قلوب الأنصار.
قال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾ [الحشر:٩]، كل ما يملكون إنما هو ملك لإخوانهم من المهاجرين: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر:٩].
ثم أثنى الله ﵎ على من أتى بعدهم وأنت منهم، ومن أتى من بعدك إلى قيام الساعة، لكن انظر إلى المهمة التي كلفت بها وإلى عقيدة سلفك: ﴿وَالَّذِين
3 / 3