شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
Genre-genre
التوسل بدعاء الأموات
النوع الأخير: وهو التوسل الشركي المتوسط، فالشرك طرفان ووسط: فالطرف الأول: شرك أكبر مخرج من الملة، والطرف الثاني: مختلف فيه، والخلاف فيه غير سائغ؛ لأنه لا دليل عليه، وهو التوسل بجاه النبي ﷺ، والوسط هو: التوسل بدعاء الأموات، وهو شرك أصغر، وأما أن يذهب الإنسان إلى الميت فيقول: يا بدوي! فرج كربتي وسد خلتي، أو مدد يا بدوي! فهذا حرام، من النوع الأول، أي: التوسل الشركي.
لكنه في هذا النوع المتوسط من أنواع التوسل أصبح يقول: يا بدوي إن روحك طيبة، وأنت الآن عند ربك، وولي من أولياء الله الصالحين، فادع الله أن يغفر لي زلاتي، وأن يرزقني الولد، وأن يشفي مرضاي، فهذا لم يصرف العبادة لغير الله، ولم يقع في الشرك الأكبر، ولا اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، ففر من الأمرين: من صرف العبادة لغير الله فلم يقع في الشرك الأكبر، وفر أيضًا: من الاعتقاد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله؛ لأنه لا يعتقد أن البدوي يستطيع أنه يشفي مريضه أو يغفر زلاته، ولكن يقول: إن البدوي يسمعني، فأنا أقول له -وهو رجل صالح- ادع الله لي.
ودليلهم على جواز مثل ذلك ما يأتي: أولًا: أن الأولياء الذي قد ماتوا لهم مكانة عند الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس:٦٢].
وقال النبي ﷺ عن الله في الحديث القدسي: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب).
ثانيًا: أن النبي ﷺ أثبت لنا أن الأموات يسمعون، فالميت يسمعنا ويرد علينا السلام، فيذهب إلى الله بروحه فيدعو الله لنا، والدليل على أن الأموات يسمعون قول النبي ﷺ: (يا أبا جهل! هل وجدت ما وعد الله حقًا؟ يا فلان هل وجدت ما وعد الله حقًا؟ فقال له عمر: يا رسول الله! هم أموات أيسمعون؟ قال: هم أسمع منكم اليوم).
ومن الأدلة على أن الأموات يسمعون كذلك: أن النبي ﷺ قال: (من سلم أو صلى علي رد الله علي روحي فأسلم، أو أرد ﵇ فهذه دلالة على أنه ﷺ يسمع وهو ميت.
ومن الأدلة أيضًا: قول النبي ﷺ (وإن الميت ليسمع قرع نعالهم) وقد قال: عمرو بن العاص عند موته: فقفوا عند قبري مقدار ذبح جزور حتى استأنس بكم.
فقالوا: هذه أدلة على أن الأموات الصالحين يسمعوننا، فنحن طلبنا منهم أن يدعوا لنا قياسًا على طلب الدعاء من الأحياء، فـ عكاشة بن محصن قال: للنبي ﷺ: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، فإذا كان النبي ﷺ وهو حي يسمع ويدعو فيجوز أن نسأله هو وغيره من الأموات أن يدعو لنا، ونقول: ادع الله لنا يا رسول الله! قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء:٦٤]، أي: قالوا: يا رسول الله! استغفر لنا، فاستدلوا بالأثر والنظر، وقالوا: هذه أدلة على جواز سؤال الدعاء من الأموات.
4 / 13