القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور
القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور
Penerbit
مطابع برنتك للطباعة والتغليف-السودان
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
٢٠١١
Lokasi Penerbit
الخرطوم
Genre-genre
التكليف بما لا يطاق جوز أن يكون في القرآن ما له معنى وإن لم يكن معلومًا للمخاطب ولا له بيان ولا كذلك فيما لا معنى له أصلًا لكونه هذيانًا ومن لم يجوز التكليف بما لا يطاق منع من ذلك لكونه تكليفًا بما لا يطاق ولما فيه من إخراج القرآن عن كونه بيانًا للناس ضرورة كونه غير مفهوم وهو خلاف قوله تعالى: ﴿هذا بيان للناس آل عمران ١٣٨﴾ " (١) ولا ننسى فمن المحكم ما لم يسأل عنه الصحابة في ظاهر آيات الأحكام، فآمنوا به وعملوا به ثم بلّغوه، ومنه ما غاب عن أذهان بعض الصحابة كالقصد من سورة الفتح، وعلمه ابن عباس وغيره، فآمنوا به وعملوا به ثم بلغوه جميعًا، وكذلك فعلوا في آيات المتشابه من تبليغها وقراءتها وكتابتها، وليس وصفها أو التعبير عنها بكلمات لكونها تحمل إشكالًا لا يزيله إلا كلمات البشر، وقد علموا أن جُلّ ما تحمله من معاني هي ما ذَكَرَتْه بالتشبيه لما يراه البشر، والقصد منها الإيمان بالله والدعوة للتبليغ، وهو ما ذهب إليه من سار على درب الصحابة ومن تبعهم، ولم يقولوا فيها قولًا غير ما جاء فيها، لأن معناها على الحقيقة الملموسة والمرئية والمسموعة لا يعلمه إلا الله، وقد جاء في الآية هنا بيان من الله بأن الجدال فيها لغرض التأويل باطل، لأن الله وحده يعلم ما تدل وتعنيه على الحقيقة. وما لوثة علم الكلام التي أصابت الكثير من المسلمين بعد عصر الصحابة والتابعين إلا تَفْسِيرًا عمليًا لهذه الآية، فقد كان همهم إخراج كلام الله بما لا يناقض أصول علم الكلام، أو محاولة تفسير المتشابه بكلمات لها دلالات حقيقية، ووصفٌ للغيب بلسان البشر ومنطقهم، ولذلك يقول الراسخون في العلم ممن تبع الصحابة والتابعين وتنبه لهذا: آمنا بها كما جاءت من غير تأويل وتفسير مُحْدَث على تأويل وتفسير السلف لها، وقد أتى التأويل في الآية هنا بمعنى ما
_________
(١) الإحكام في أصول الأحكام (١٦٨/ ١)، وأورد الرازي في التفسير (٤/ ٢) حجج القائلين بعدم جواز ورود ما لا معنى له في كتاب الله أو أنها من الأسرار الإلهية، وعد أربعة عشر دليلًا من آيات القرآن، واثنين من السنة أحدهما ضعيف، كما ذكر الدلائل العقلية على بطلان هذا القول، وانتصر له وهو الحق، كما سيأتي التفصيل لاحقًا.
1 / 34