The Concept of Wisdom in Da'wah
مفهوم الحكمة في الدعوة
Penerbit
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٢٢هـ
Lokasi Penerbit
المملكة العربية السعودية
Genre-genre
[المقدمة]
مفهوم الحكمة في الدعوة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فهذه كلمات في الحكمة والدعوة دعا إليها - في تقديري - ما يلحظ في الساحة من نشاط يقوم به رجال أفاضل يدعون إلى الله، ويلاقون في دعوتهم ما يلاقيه من يقوم بمهمتهم في الماضي والحاضر وفي كل حين، فهي سنة الله في الحاضرين والغابرين.
والدعوة إلى الله هي طريق المرسلين. وقد لاقى أنبياء الله في ذلك ما لاقوا من العنت والصدود والإباء والاستكبار من لدن فئات كثيرة، وطبقات كبيرة من الملأ الذين استكبروا ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] (١) .
_________
(١) سورة يوسف، آية: ١٥٨.
1 / 3
وفي هذه الكلمات سوف ينحصر الكلام على الحكمة بيانا لمعناها وإيضاحا لمدلولاتها.
ذلك أن الحكمة إذا اقترنت بالدعوة فإنها تقوي الأمل واليقين، وترتفع بالمدعوين إلى مستوى الشعور بالمسئولية والتكليف، وإذا ما تأكد فيها هذا الشعور فسوف تتغير طباعهم وتعتدل مسالكهم ويصح توجيههم. فحق على الداعي إلى الله أن يعمل على إيقاظ هذا الشعور. هذا وسوف أعرض إلى تعريف كل من الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ثم العوامل التي تحقق مفهوم الحكمة: من ضرورة معرفة طبائع الناس، وطبقات المدعوين، والنظر في الظروف الزمانية والمكانية، والأساليب القولية والعملية.
1 / 4
[تعريف الحكمة]
تعريف الحكمة الحكمة مأخوذ من الحكمة - بفتح الكاف والميم - وهو ما يوضع للدابة كي يذللها راكبها فيمنع جماحها. ومنه اشتقت الحكمة قالوا: لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل (١) .
والحكمة في حقيقتها: وضع الأشياء في مواضعها.
وهذا تعريف عام يشمل الأقوال والأفعال وسائر التصرفات، ولعلك أخي الفاضل تدرك أن الحكمة التي نرمي إلى بيانها في هذه المقالة هي الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها القائم بالدعوة إلى الله، ومن أجل هذا فهي غالبا ما تكون قولا في علم وموعظة أو تصرفا نحو الآخرين من أجل دفعهم إلى الخير أو صرفهم عن الشر.
_________
(١) المصباح المنير ٥٦.
1 / 5
وفي هذا المفهوم. يقول ابن زيد: (كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة) .
وأدق من هذا قول أبي جعفر محمد بن يعقوب: (كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة) . وفي تعريفات الجرجاني: (كل كلام وافق الحق فهو حكمة) .
وفي قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩] (١) .
ربطت الآية الكريمة بين الحكمة والخير، ووجه هذا الارتباط أن الحكمة تشمل المعاني الصائبة من السداد في القول والفعل.
_________
(١) سورة البقرة، آية: ٢٦٩.
1 / 6
وبمعنى آخر: فإن الحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم، ومن شاء إيتاءه هذه الحكمة - أي خلقه مستعدا لذلك قابلا له، من سلامة التفكير واعتدال القوى والطبائع - فيكون قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة. ثم ييسر له أسباب ذلك من حضور الدعاة وسلامة البقعة من المعاندين العتاة، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيرا، ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير.
وحينئذ يتحقق له الخير الكثير في قوله سبحانه: ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]
فالخير الكثير منجر إليه سداد الرأي والهدى الإلهي، ومن تفاريع هذا الخير ما يتولد من قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوكل في
1 / 7
فهمها واستحضار مهمها. لأنك إذا تتبعت ما يحل بالناس من المصائب تجد معظمها من جراء الجهالة والضلالة والرأي الآفن، وبعكس ذلك فإن ما يجتنيه الناس من المنافع والملائمات مجتلب من المعارف والعلم بالحقائق، ولو علم الناس الحق على وجهه لاجتنبوا مواقع البؤس والشقاء (١) .
يتبين من مجموع ما سبق أن الحكمة كلمة عامة تشمل الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة، وكليات جامعة لأصول الآداب. . . فهي معرفة خالصة من شوائب الأخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وتهذيبهم وتوجيههم.
إنها اسم جامع لكل كلام أو علم يراعى فيه إصلاح
_________
(١) التنوير والتحرير ٣ / ٦٤.
1 / 8
حال الناس واعتقادهم إصلاحا مستمرا لا يتغير (١) .
[إطلاقات الحكمة]
إطلاقات الحكمة وردت كلمة الحكمة في نصوص الشرع مرادا بها ما يخدم المعنى السابق.
فوردت مرادا بها: الكتب السماوية من القرآن والإنجيل وغيرها.
ومرادا بها: النبوة، والهدى، والرشاد، والعدل، والعلم، والحلم والتفقه (٢) .
_________
(١) التنوير والتحرير ٣ ٦٠ - ٦٣، ٤١ / ٣٥.
(٢) لسان العرب ١٢ / ١٤٠ -١٤٢. المعجم الوسيط ١ / ٩٠. القاموس المحيط ٤ / ٩٨.
1 / 9
[الموعظة الحسنة]
الموعظة الحسنة يلحظ في التعريف السابق للحكمة أن الموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن داخلان في مفهوم الحكمة.
ولكن يحسن تخصيصهما بمزيد تعريف وإيضاح لأن المقام مقام بسط لمفهوم الحكمة، وقد جاءا مخصوصين بالذكر في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] (١) .
وإذا كانا داخلين في معنى الحكمة بالمعنى السابق فيكون عطفهما في الآية الكريمة من عطف الخاص على العام.
والأصل في الموعظة أنها: القول الذي يلين نفس المخاطب ليستعد لفعل الخير والاستجابة له.
_________
(١) سورة النحل، آية: ١٢٥.
1 / 10
والموعظة في معناها تدل على ما يجمع الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة ولهذا قال ابن عطية:
(الموعظة الحسنة: التخويف والترجئة والتلطف بالإنسان بأن تجله وتنشطه وتجعله بصورة من يقبل الفضائل) (١) .
ويشير الزمخشري إلى معنى لطيف في هذا حين يقول: (إن الموعظة الحسنة هي التي لا تخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم) .
والخلاصة أنها: تذكير بالخير فيما يرق له القلب (٢) .
وهذه إشارة جميلة عرض لها أهل العلم في السر في وصف الموعظة بالحسنة ولم يرد ذلك في الحكمة فقد قالوا: قيدت الموعظة بالحسنة ولم تقيد الحكمة
_________
(١) التعريفات ١٣٢.
(٢) البحر المحيط ٥ / ٥٤٩.
1 / 11
لأن الحكمة هي تعليم لمتطلبي الكمال من معلم يهتم بتعليم طلابه فلا تكون إلا في حالة حسنة فلا حاجة إلى التنبيه على أن تكون حسنة.
أما الموعظة الحسنة فلما كان المقصود منها غالبا ردع نفس الموعظ عن أعمال سيئة أو عن توقع ذلك منه، كانت مظنة لصدور غلظة من الواعظ ولحصول انكسار في نفس الموعوظ.
ومن الوعظ الحسن إلانة القول وترغيب الموعوظ في الخير: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٣ - ٤٤] (١) .
[الجدال بالتي هي أحسن]
الجدال بالتي هي أحسن الجدل في أصله: الاحتجاج لتصويب رأي ورد ما يخالفه. فهو حوار وتبادل في الأدلة ومناقشتها. وهو حال
_________
(١) سورة طه، الآيتان: ٤٣، ٤٤.
1 / 12
أوسع من الخصام والمخاصمة على أن المخاصمة نوع جدل من حيث هي تراد في الكلام والحجج.
ومن أجل هذا قال الجرجاني في تعريفاته:
الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة أو بقصد تصحيح كلامه، قال: وهو الخصومة في الحقيقة.
غير أن الذي نعنيه هنا هو الجدال والمحاجة والحوار بما لا يرقى إلى الخصومة، إلا إذا اعتبرنا الجدال مع الظالمين خصومة؛ لأنه قد تجرد منه نعت الحسن، وإذا احتاج رجل الدعوة إلى الجدال فليكن بالتي هي أحسن.
وقريب من التوجيه المذكور في الموعظة الحسنة يقال هنا. ويكون حسن الجدال في الالتزام بموضوعيته، وبعده عن الانفعال، والترفع عن المسائل الصغيرة في مقابل القضايا الكبرى، حفظا للوقت وعزة
1 / 13
للنفس وكمالا للمروءة، مع الحرص على الرفق واللين، والبعد عن الفظاظة والتعنيف، ويدخل في الجدل الحسن كما يقول الطاهر بن عاشور (١) .
(رد تكذيب المعاندين بكلام غير صريح في إبطال قولهم من الكلام الموجه: مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] (٢) . وقوله: ﴿وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ - اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [الحج: ٦٨ - ٦٩] (٣) .
[إشارات في حلية الداعي من الصفات الباعثة للحكمة]
[التقوى]
إشارات في حلية الداعي من الصفات الباعثة للحكمة قبل الخوض في الكلام على الحكمة ومفهومها، وبناء على الإشارات السابقة من معنى الحكمة،
_________
(١) التحرير ١٤ / ٣٢٥ - ٣٣٠.
(٢) سورة سبأ، الآية: ٢٤.
(٣) سورة الحج، الآيتان: ٦٨، ٦٩.
1 / 14
وما يحتاجه صاحب الدعوة من سلامة التفكير واعتدال القوى والبعد عن العصبية والمكابرة:
أحب أن أشير إلى بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعي، فمنها بتوفيق الله تنبعث الحكمة ويتحقق المقصود من تبليغ الحق على بصيرة. ومن ذلك:
أ - التقوى ويقصد بها كل معانيها من فعل المأمورات وترك المنهيات والتحلي بصفات أهل الإيمان. فتقوى الله بشمولها إذا رزقها العبد، فإنها تنير القلب وتفتح المدارك، ويستبصر بها موهوبها مواطن الحق، ويهتدي بها إلى الوسائل والأساليب الصحيحة الملائمة للظروف والأحوال والأشخاص، فالعاقبة للتقوى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٤] (١) . وأولياء الله
_________
(١) سورة الطلاق، آية: ٤.
1 / 15
هم المتقون. .
[الإخلاص]
ب - الإخلاص وهذا باب عظيم معلوم نظريا ولكن تحقيقه - والله - إنه لعزيز. ومن حقق هذه الصفة لم يلتفت إلى نظر الناس ولا إلى أشيائهم أو تلمس مراضيهم، ويحضرني هنا قول الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀: إن بعض الناس يدعو إلى الله وهو إنما يدعو إلى نفسه.
وأعظم الناس مطالبة بهذه الخصلة وأشد الناس حاجة إليها العلماء والدعاة. ومن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة من ضيع هذه الخصلة، ولقد قال الغزالي ﵀ في الإحياء محذرا من الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك الخفي:
(إن الداعي قد يرى حين الدعوة والقيام بها عز نفسه بالعلم والدين، وذل غيره بالجهل والتقصير،
1 / 16
فربما قصد بالدعوة إظهار التميز على غيره، وإذلال المدعو بإشعاره - ولو من طرف خفي - بالجهل وخسة أهل الجهل والتقصير وسوء حال المقصرين) .
قال: (وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة، وغرور للشيطان يطوق به كل إنسان إلا من عرفه الله عيوب نفسه، وفتح بصيرته بنور هدايته. فإن في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة) .
ولم يقتصر الغزالي ﵀ على هذا الإيضاح بل زاد في بيان المعيار والمحك في ذلك حيث قال: (وهناك محك ومعيار ينبغي أن يمتحن الداعي به نفسه، وهو أن يكون قيام غيره بالدعوة وإصلاح الناس واستجابتهم لغيره أحب إليه من استجابتهم له. فإن كان يود أن يكفيه غيره فهو على خير، وإن كان لا يحب ذلك لغيره من أهل العلم والدعوة فما هو إلا
1 / 17
متبع هوى نفسه، متوسل إلى إظهار جاه نفسه بواسطة دعوته. فليتق الله تعالى فيه وليدع أولا نفسه) (١) .
لكن قوله: (أن يكون دعوة غيره أحب إليه من دعوته بنفسه) هذا عندي محل نظر، وبخاصة مع قوله ﵊: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (٢) . فالتنافس في هذا تنافس على الخير، ومع قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت: ٣٣] (٣) .
ويتلمس الإخلاص وصلاح النية في غير المنافسة المشروعة.
_________
(١) بتصرف وحذف، الإحياء ٢ / ٣٢٩. وما بعدها.
(٢) متفق عليه من حديث سهل به سعد.
(٣) سورة فصلت، آية: ٣٣.
1 / 18
[العلم]
ج - العلم وهو المقصود الأعظم من البصيرة في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف: ١٠٨] (١) .
بل إن من معاني الحكمة البارزة - التي نحن بصدد الحديث عنها - العلم كما سبق.
فالبصيرة تجمع العلم والحكمة وهذه الخصلة لا تحتاج إلى مزيد من بسط فهي معلومة ظاهرة، ويكفي في هذا التنبيه إلى ترجمة البخاري ﵀ في صحيحه حين قال: باب العلم قبل القول والعمل، مستدلا بقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد: ١٩] (٢) .
قال ﵀: (فبدأ بالعلم قبل القول والعمل) .
_________
(١) سورة يوسف، آية: ١٠٨.
(٢) سورة محمد، آية: ١٩.
1 / 19
وفي هذا يقول الحسن البصري ﵀ (العامل بغير علم كالسائر على غير هدى) .
وفي مأثور الحكم: (من تمسك بغير أصل ذل ومن سلك طريقا بغير دليل ضل) .
ويشمل العلم الفهم الدقيق لما جاء في الكتاب والسنة، وسير السلف الصالح، وفهوم أهل العلم والفقه علما وعملا.
[التواضع]
د - التواضع من طبائع الناس أنهم لا يقبلون من يستطيل عليهم أو يبدو منه احتقارهم أو استصغارهم، ولو كان ما يقوله حقا وصدقا. بل إن الاستعلاء سبب ظاهر في كره الحق ورفضه.
ومن أجل هذا فإن التواضع ثمرة المعرفة بالله وبالنفس. يقول الخليفة أبو بكر ﵁
1 / 20
(لا يحتقرن أحد أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير) وقد خاطب الله نبيه محمدا ﷺ بقوله:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] (١) .
ويقول ابن الحجاج: (من أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى فإن العزة لا تقع إلا بقدر النزول. .) .
ومما يلحق بهذا الباب العلم بأن من طبائع النفوس النفرة ممن يكثر الحديث عن نفسه أو يستجلب الثناء عليها أو يستدر لها المديح.
فالفضل من الله، ومن تحدث إلى الناس فليتحدث إليهم بفضل الله لا بفضل نفسه.
_________
(١) سورة الكهف، آية: ٢٨.
1 / 21
[الحلم]
هـ - الحلم ما الحلم إلا ضبط النفس عند الغضب، والنزوع إلى العقل عند ثورة الانفعال. وما هذا - وربك - إلا شارات القوة وعنوان البطولة «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (١) .
ومن أحوج بهذا الخلق من رجل الدعوة الذي ميدانه صدور الرجال ونفوس البشر.
ومن أبرز صور الحلم. . كظم الغيظ. . ثم يعقبه في الترقي العفو عن الناس، وتلك صفات المتقين أهل الجنة التي عرضها السماوات والأرض.
ومن رزق الحلم ترقى في درجاته. . فيصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه. ويخطئ من يظن أن الحلم عجز، وأن العفو
_________
(١) متفق عليه من حديث سهل بن سعد ١٠٨.
1 / 22