The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

Ragheb El-Sergany d. Unknown
83

The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani

السيرة النبوية - راغب السرجاني

Genre-genre

السخرية والاستهزاء بالمؤمنين هذه وسيلة من أقبح وسائل أهل الباطل في حرب الإسلام والمسلمين: هي السخرية والاستهزاء بالمؤمنين. لم يصبح هناك منطق ولا عقل ولا حجة ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾ [المطففين:٢٩ - ٣٣]. كان الرسول ﷺ إذا جلس وجلس حوله المستضعفون من المسلمين، قال المشركون: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟! هكذا سخرية بدون حجة وبدون دليل، وإذا دخل عليهم فقراء المسلمين، قالوا: هؤلاء ملوك الأرض، لأن الرسول ﷺ كان يقول لأهل مكة: قولوا كلمة واحدة -لا إله إلا الله، محمد رسول الله- تملكوا بها العرب والعجم. فيقولون: هؤلاء هم ملوك الأرض الذين سيملكون العرب والعجم. جلس عقبة بن أبي معيط لعنه الله مرة إلى النبي ﷺ يسمع منه، فرآه أبي بن خلف فظن أنه آمن، فذهب بعد ذلك يقول له: أنت آمنت، قال: لم أؤمن؟ فلم يصدقه، وقال له: حتى تثبت لي أنك لم تؤمن بدعوة محمد ﷺ لابد أن تبصق في وجه محمد، فقام عقبة لعنه الله وذهب إلى رسول الله ﷺ وبصق في وجهه! هكذا فعلوا مع أحب الخلق إلى الله ﷿، لكن الوضع مع رسول الله ﷺ ومع المسلمين بصفة عامة أن ازدادت حركة الدعوة في مكة، وازداد عدد المسلمين، وشعر المشركون بأن الموضوع سيخرج من أيديهم، فقدموا التنازلات، وبدءوا بعمل مفاوضات مع رسول الله ﷺ، وحاولوا أن يلتقوا في منتصف الطريق كما يقال: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم:٩]، قدموا اقتراحين للرسول ﷺ: أما الأول فقد كان سفيهًا من حكماء قريش، قاموا بما يسمى بالعبادة المشتركة فقالوا: هلم يا محمد فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر. يعني: أنت تعبد هبل واللات والعزى، ونحن أيضًا نعبد إلهك في نفس الوقت، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منها. هذا مفهوم مغلوط وسطحي عن الألوهية أن أعبد عشرة أو عشرين إلهًا، وهذا تفكير طفولي من حكماء قريش. الاقتراح الثاني كان على نفس المستوى من السطحية، فبعض المشركين تقدموا إلى رسول الله ﷺ: أن يكون هناك ما يسمى بعبادة التناوب، يعني: نعبد إله محمد سنة، وهو يعبد إلهنا سنة، فنزل قول الله ﷿ يقطع الطريق تمامًا على هذه المفاوضات الطفولية، وقال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون:١]، المرة الوحيدة التي قال الله ﷿ فيها: (الْكَافِرُونَ)، ليقطع السبيل على كل كافر يساوم المؤمنين على أمر العقيدة ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:١ - ٦]، بذلك أغلق الباب على هذه المفاوضات الهزلية، والدعوة تزداد، والمسلمون يتكاثرون.

7 / 5