The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
Genre-genre
موقف الأقربين من الدعوة النبوية
الموقف الأول: هو موقف أبي طالب عم رسول الله ﷺ، والذي أحبه حبًا يفوق حب أولاده، والذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب، وموقفه يعتبر من أكبر علامات الاستفهام في التاريخ، وقف أبو طالب إلى جوار رسول الله ﷺ يشجعه بكل طاقاته، لكنه ما دخل في دينه، أخذ أبو طالب كل تبعات الدين الشاقة، وما استمتع بأحلى ما في هذا الدين؛ من تضحية، وبذل، وجهاد، وعطاء، وتعب، وسهر؛ لأنه لم يؤمن، ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:٥٦].
قام أبو طالب فقال: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب -أي: أسرعهم إلى نصرتك ومعاونتك-، فامض لما أمرت به.
أي: أنه يعلم أن الله ﷿ هو الذي أمره بذلك، ولم يأت به من عنده ﷺ، ثم يقول أبو طالب: فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
هذا يعني أنه تيقن أنه رسول من عند الله ﷾، وأنه أمر بهذا الكلام ولم يأت به من عنده، وأنه صادق لا يكذب، ومع ذلك يقول: نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
هذا تناقض بشع في نفس المقالة، ما الذي وقف حاجزًا بينه وبين الإيمان؟ التقاليد، تقديس رأي الآباء والأجداد والعائلات، حتى وإن كان مخالفًا للحق، فهذه الجريمة وراء مصائب كثيرة حدثت لـ أبي طالب وتحدث لغيره ممن ساروا على نهج آبائهم وعصوا الله ﷿، وخالفوا منهج رسوله الكريم ﷺ.
المهم في هذا أن أبا طالب كان واضحًا في دفاعه عن رسول الله ﷺ من أول يوم جهر فيه الرسول ﷺ بالدعوة لأقاربه.
وعلى الجانب الآخر قام أبو لهب وظل مصرًا على عدائه، قال: هذه والله السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا.
إذًا: يتضح أمامنا أن هناك موقفين لأهل رسول الله ﷺ؛ موقف مدافع يتزعمه أبو طالب، وموقف مهاجم يتزعمه أبو لهب.
6 / 3