الدين له كان بعيدًا"١، ومثل هذا يسميه الأصوليون التنبيه على أصل القياس، لأنه مشتمل على أركان القياس الأربعة: المقيس، وهو دين الله تعالى، والمقيس عليه، وهو دين العباد والحكم وهو جواز القضاء والعلة هي الدينية في كل منهما٢.
النوع الثالث: أن يفرق الشارع بين شيئين في الحكم بذكر صفة فإن ذلك يشعر بأن تلك الصفة علة لذلك الحكم حيث خصصها بالذكر دون غيرها فلو لم تكن علة له كان ذلك خلاف ما أشعر به اللفظ وهو تلبيس يصان عنه منصب الشارع، وهذا النوع تحته قسمان:
أحدهما: أن يكون حكم أحد الشيئين مذكورًا مع الوصف دون حكم الآخر، مثل قوله ﷺ: "القاتل لا يرث" ٣، ففي الحديث التفريق بين القاتل المذكور في عدم الإرث، وبين غيره من الورثة بذكر القتل، وليس فيه حكم ميراث من لم يقتل، فلو لم يكن القتل عله لعدم الإرث لكان بعيدًا، وأما علة إرث غير القاتل فهي النسب وغيره من أسباب الميراث.
وثانيهما: أن يكون حكم كل من الشيئين مذكورًا مع الوصف وهو خمسة أقسام:
١ - أن تكون التفرقة بين الشيئين بلفظ الشرط كما في حديث مسلم "الذهب الذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد" ٤.
فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلًا وبين جوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لاختلاف العلة للجواز لكان بعيدًا.
١ انظر: المحلى مع حاشية العطار ٢/٣١٣.
٢ انظر: حاشية العطار على المحلى ٢/٣١٣.
٣ لفظ الحديث كما في أبي داود ٢/٤٩٦ "ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاني شيئًا".
٤ صحيح مسلم ٥/٤٣-٤٤، الموطأ مع تنوير الحوالك ٢/٥٨ فما بعدها.