144

Revolusi Puisi Moden dari Baudelaire Hingga Zaman Kini (Bahagian Pertama): Kajian

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Genre-genre

يقول «أراجون» في مقدمة ديوانه «عيون ألز!» (1942م): إن الشعر لا يوجد إلا بفضل الخلق الجديد المستمر للغة وذلك بتحطيم النسق اللغوي، وتكسير قواعده، وتغيير ترتيبه المعتاد في الكلام. والشاعر «ييتس» يقول: ليس لي لغة، فكل ما أملكه لا يزيد عن مجموعة من الصور والتشبيهات والرموز، وفي قصيدة إليوت المشهورة «أربعاء الرماد» نجد هذا البيت الغريب: «لغة بلا كلمة وكلمة بلا لغة.» وسان-جون بيرس يتحدث عن التركيب اللغوي لديه فيشبهه بالبرق والصاعقة. وكأنما يتفقون جميعا على أن هذه اللغة الجديدة لن تقوم لها قائمة حتى تحطم اللغة القديمة وتكسر قواعدها المألوفة وتحل التنافر والتعارض والغرابة محل التجانس والتناسق والنظام، وكأنما يجمعون أيضا على نوع من التعالي باللغة أو «الترانسندس» الذي تحدثنا عنه كثيرا عند الكلام عن بودلير، ولكنه يظل هنا وهناك تعاليا مفرغا من أي معنى أو مدلول.

معنى هذا أن اللغة الجديدة ستصبح لغة مفاجئة للقارئ، لا بل معادية له. ولقد ألح الشعراء والفنانون الجدد على معنى الصدمة أو المفاجأة التي تحدثها هذه اللغة حتى صارت تعبيرا اصطلح عليه في الشعر الجديد منذ عهد بودلير. يؤيد هذا ما يقوله فاليري من أن أي دراسة للفن الحديث في نصف القرن الأخير لا بد أن تبين كيف كانت مشكلة الصدمة تثار كل خمس سنوات، وهو نفسه يعترف بأن شعر رامبو ومالارميه قد أثرا عليه عند قراءته لهما لأول مرة تأثير الصدمة المفاجئة. والسيرياليون يتحدثون عن «الإذهال» الذي يجب أن يحدثه الشعر الجديد، ويذهب زعيمهم «بريتون» إلى حد القول بأن الشعر إنما هو «إعلان احتجاج»، كما يقول سان-جون بيرس إن «ترف الشذوذ» هو أول مواد السلوك الأدبي! وكأن هذه اللغة الجديدة لم تحرص منذ عهد الرومانتيكية على شيء حرصها على الاحتجاج، وكأنها لم تسع إلى شيء سعيها إلى زيادة الهوة التي تفصل بين الشاعر وجمهوره، بحيث لا نغالى إذا قلنا إنها تحاول عن قصد أو غير قصد أن تصدمه وتفاجئه وتعاديه؛ ذلك لأن الاهتمام بالأسلوب وحده قد أصبح هدفا في ذاته، يختفي وراءه المعنى والباعث والمضمون، ويستوي معه أن يعالج خلود الروح ووجود الله أو يصف حذاء قديما أو علبة صفيح فارغة ... والمهم بعد كل شيء هو شذوذ هذه اللغة الشعرية الجديدة.

أراد فلوبير (1828-1880م) عندما كان يعمل في روايته «مدام بوفاري» أن يعرف الأسلوب فقال إنه «رؤية». وقد يبدو هذا التعريف مألوفا لدينا اليوم، ولكنه كان في عصره شيئا جديدا كل الجدة على «الاستطيقا» القديمة، وقد تحقق معنى هذا التعريف في روايات فلوبير نفسه، كما تحقق بصورة أكبر في الرواية الحديثة والشعر الحديث ، والقانون الذي يحكم مثل هذا الأسلوب لا ينبع من الموضوعات الخارجية ولا من اللغة الفنية الموروثة وإنما ينبع من المؤلف نفسه. وقد نتجت عن ذلك ظاهرة تتجلى في أوضح صورة في فن الرسم الحديث. فقد أصبح من المألوف منذ عهد سيزان (1839-1906م) أن يتناول الرسامون موضوعا عديم الأهمية، لأن هذا الموضوع لا يعنيهم بقدر ما تعنيهم تجربة إمكانياتهم في الأداء وقدراتهم في مجال الشكل؛ ولذلك فالرسام مشغول بخلق كيان فني مستقل، مستمد من عناصر الصورة نفسها لا من عناصر الواقع الخارجي، وكانت نتيجة هذا أن قل عدد الموضوعات إلى أقصى حد، بل أصبح وسيلة لتجربة متنوعات مختلفة عليه، كما أصبح الأسلوب هو الهدف والغاية الأخيرة. وتكرر نفس الشيء في مجال الشعر، فوجدنا فاليري يقول مثلا إن الشعر في رأيه هو خلق متنوعات متعددة على موضوع واحد، كما وجدنا شاعرا مثل جيان يترجم إحدى قصائد فاليري «نائمة» أربع ترجمات مختلفة كل الاختلاف عن بعضها البعض، وكاتبا مثل كوينو (1903م-؟) يسمي أحد كتبه «تمارين في الأسلوب» (1947م) ويقدم فيه تسعة وتسعين متنوعة على موضوع واحد! وكل هذه أمثلة على الأسلوب الذي استقل بنفسه فراح يشكل ويتشكل، ويحول ويتحول. (4) أبوللو بدلا من ديونيزيوس

هل اختفى الإلهام إذن؟ هل حرم على الشعراء أن يتحدثوا عن شياطينهم أو يتذكروا وادي عبقر؟

إن الشعر الحديث يتسم ببرود العقل، والتأمل فيه تأمل بارد محسوب. والكلام عنه يحتاج دقة المعرفة والتخصص والصنعة. ولكن هذا لا ينفي أبدا أن الشاعر الحديث يعلم في نفس الوقت الشعر سر ومعجزة، سحر وقوة، منطقة رقيقة ينتزعها الشاعر مما يكاد يقصر عنه التعبير والكلام. ويصبح الشاعر مغامرا يخاطر بنفسه في مناطق لغوية ظلت مجهولة قبله، وتصبح لغته المملوءة بالأسرار أشبه بالتجارب الكيماوية القديمة، يختبر فيها القوة الكامنة في الكلمات، وينتظر انفجارها الذري في كل لحظة. وهو في ذلك لا ينسى أن يراقب نفسه مراقبة دقيقة، ويقيس أفكاره بمقاييس فكرية دقيقة، ويقيها غلبة العواطف الطاغية والانفعالات الفجة السخيفة. لم تعد حرارة الإلهام منذ أوائل القرن التاسع عشر هي معياره الوحيد. فالسحر الذي ينبع من الشعر الحديث فيه رجولة، والعذاب فيه عذاب صلب خشن. ومهما كان من غموضه وتنافره فإن أبوللو إله النور والفن الواضح - لا إله النشوة والإلهام ديونيزوس - هو الضمير الفني الذي يسيطر عليه ويتحكم فيه. ويكاد معظم رواد الشعر الحديث يتفقون في سوء ظنهم بالإلهام، ويفرقون تفرقة تامة بين الانفعال والقوة، وبين المعاناة الشخصية والصدق العقلي. وها هو ذا فاليري يكتب في مقاله عن قصيدة «أدونيس» للافونتين فيقول «إن الشعر فن شكاك إلى أقصى حد، إنه يفترض الحرية البالغة تجاه عواطفنا الشخصية. إن الآلهة تباركنا بنعمتها فتهدينا بيتا من الشعر ثم يصبح علينا بعد ذلك أن نؤلف البيت الذي يليه، والذي ينبغي أن يكون جديرا بشقيقه العلوي القديم. وفي ذلك نحتاج إلى كل طاقات التجربة والعقل.» ثم يقول في موضع آخر إن التنهد والتوجع لا مكان لهما في الشعر، حتى يصبحا أشكالا عقلية.

ولقد امتدح لوركا الشعراء الفرنسيين في خطبته السابقة عن الشاعر القديم جونجورا لهذا السبب وأكد هذه الأفكار وزادها حدة. والشعراء الإيطاليون ساروا أيضا في نفس الاتجاه بعد أن تراجعت النغمة الخطابية الانفعالية التي غلبت على شعر دانو نزيو فوضعوا «الكلمة العارية» التي طال التفكير فيها، كما يقول أنجارتي، في منزلة أعلى من الكلام العاطفي المنفعل. وليست هذه الأفكار كلها جديدة ولا هي مقصورة على البلاد الواقعة تحت تأثير الروح اللاتينية، وكل هذا يدل على أن الشعر الحديث مشغول منذ عهد بودلير بالتجرد من الرومانتيكية والبعد بقدر الإمكان عن العواطف الشخصية الساذجة.

ومن هنا نستطيع أن نفهم إليوت حينما يتحدث عن تجرد الذات الشاعرة من شخصيتها بحيث يصبح عملها أشبه بعمل العلماء الوضعيين، وحين يؤكد حدة العملية الفنية ولا يكتفي بأن يطلب من الشاعر أن ينظر في أعماق قلبه، بل يزيد على ذلك فيطالبه بالنظر في تلافيف المخ والجهاز العصبي. ويمضي الشاعر الألماني جوتفريد بن في هذا الاتجاه نفسه في محاضرته التي ألقاها عن مشكلات الشعر وأصبحت اليوم هي «فن الشعر» للجيل الحاضر من شعراء بلاده. إنه يمجد إرادة الشكل والأسلوب اللذين يحتفظان بحقيقتهما الذاتية التي تسمو بكثير على حقائق المضمون. ذلك «لأن الإنسان لا يعرف بحق إلا في مجال التشكيل.» ولأن الإلهام وحده لا يهدي الشاعر بل يغريه ويغويه ولا يفضي به إلى شيء ذي قيمة. قد يفجر فيه أبياتا قليلة ولكن يبقى عليه بعد ذلك أن يعالجها بالتشكيل فيتناولها على الفور في يده ويضعها تحت الميكروسكوب ويفحصها ويلونها ويبحث عن مواضع المرض فيها.

لهذا كله لا يدهشنا أن نرى عددا كبيرا من الشعراء المعاصرين يتحدثون عن «معملهم» أو عن «الجبر والحساب» في أبياتهم؛ إنهم يجربون الصيغ والأشكال، ويرتبون نسق اللغة ويحددون نظام الأصوات والأنغام. هكذا يصبح النموذج الأسمى كما تقول الشاعرة الألمانية إليزابيث لانجيسر، هو «الشاعر المفكر»، الذي يتحول البرتقال والليمون بين يديه إلى «جبر الثمار الناضجة» كما يعبر عن ذلك الشاعر الألماني كارل كرولوف الذي يقول كذلك عن نفسه إنه صانع مواشير وعدته قطع الزجاج. والحقيقة أن كلمة الصنعة والصانع لا تستغرب في هذا المجال؛ فكلمة الشعر بلفظها اليوناني القديم مشتقة من الصنعة. ولذلك فليس عجيبا أن نجد فاليري يميل إلى استبدال كلمة «الشعر

» بكلمة «الصنعة

Fabrication » وبهذا لا يصرف تفكيره إلى العمل الشعري نفسه بقدر ما يصرفه إلى أسلوب إنتاجه أو صنعه أو التفنن فيه.

Halaman tidak diketahui