Revolusi Puisi Moden dari Baudelaire Hingga Zaman Kini (Bahagian Pertama): Kajian
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Genre-genre
إن السؤال يفرض نفسه أيضا في مجال الشعر. فلماذا تصف المقولات السلبية هذا الشعر بأدق مما تصفه المقولات الإيجابية؟
هل سبقنا كل هؤلاء الشعراء بمراحل بحيث لم يعد في مقدور أية فكرة أو تعريف إيجابي أن يلحق بهم؛ مما اضطرنا إلى استخدام الأفكار والتعريفات السلبية في الكلام عنهم؟ هل معنى هذا أن الشعر الحديث - وهو الغرض الذي أشرنا إليه من قبل - يستعصي على التمثل أو التذوق، وإن هذا هو أحد خصائصه المميزة؟ إن هذه الأسئلة تنصب على التحديد التاريخي لهذا الشعر، أي تتعلق بمستقبله، والسؤال عن المستقبل لا يدخل في نطاق العلم، وقد تصدق كل الأسئلة، ولكننا لن نستطيع أن نقطع فيها على وجه اليقين. والشيء الوحيد الذي يمكننا أن نؤكده هو شذوذ هذا الشعر، أي خروجه عن المألوف، ومن هذه الحقيقة نستخلص نتيجة ضرورية، وهي أننا ملزومون بمعرفة عناصر هذا الشذوذ معرفة دقيقة، لكي يحق لنا بعد ذلك أن نستخدم القصورات والمقولات السلبية التي قلنا إنها تفرض نفسها على قراء الشعر الحديث. (4) مقدمات نظرية في القرن الثامن عشر (4-1) روسو وديدرو
يلاحظ المتأمل للفكر الأوروبي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بعض الظواهر التي يمكن اعتبارها مقدمات مهدت للشعر الحديث والمعاصر. وسنكتفي في الصفحات المقبلة بتوضيح هذه الظواهر عند روسو (1712-1778م)، وديدرو (1713-1784م) ...
ولا يعنينا في هذا المجال أن نتحدث عن روسو المشرع للدولة والمجتمع، ولا عن روسو الذي أسكرته الطبيعة النقية العذراء فأخذ يتغنى بفضائلها بعاطفة الأنبياء وإخلاص المصلحين. ولن نمس هذا الجانب الهام من تفكيره إلا بقدر ما يتصل بأحد طرفي التوتر والصراع الذي يسري في كل أعماله، وأقصد به الصراع بين حدة العقل وفورة الانفعال، بين التفكير المنطقي المحكم والخضوع لمثاليات العاطفة، وهو صراع يمكن أن نرى فيه مظهرا من مظاهر النشاز الذي يطبع التفكير والأدب والفن الحديث بطابعه.
ومع ذلك فهناك ملامح أخرى من تفكير روسو تبرز أهميته في هذا المقام. فالمعروف أنه وريث أكثر من تراث. ولكن يبدو أنها لا تلزمه ولا تخدم هدفه. فأعجب ما في روسو أنه يريد أن يقف وحيدا وحدة تامة في مواجهة نفسه ومواجهة الطبيعة. وهذه الإرادة هي الشيء الجديد الفريد فيه. إنه يقف في نقطة الصفر من التاريخ، كأنما يريد أن يبدأ من العدم. وهو بمشروعاته التي يضعها للدولة والمجتمع والحياة يجرد التاريخ من قيمته، بل يعتبر أن دخولها في الظروف التاريخية تزييف وإفساد لها، ولذلك كان موقفه الفردي المطلق تجسيدا لأول شكل حاسم من أشكال الخروج على التراث، كما كان في نفس الوقت خروجا على البيئة المحيطة به وانشقاقا عليها.
تعود الكتاب أن ينظروا إلى روسو نظرتهم إلى مريض نفسي، بل إن بعضهم يعتبره أنموذجا كلاسيكيا على جنون الاضطهاد! ولكننا نعلم أن هذه الأحكام النفسية لا تكفي دائما لتفسير الأعمال الفنية والأدبية، بل إنها في بعض الأحيان تفسدها وتجني عليها. فهي لا تفسر في حالتنا هذه سبب إعجاب الناس بشذوذ روسو ووحدته وتفرده إعجابا لم ينقطع إلى اليوم. صحيح أن هناك ظواهر مرضية لا يمكن إنكارها في شخصية روسو، وصحيح أنها ساعدت على توسيع الهوة التي فصلته عن مجتمعه وتراثه، وصورت لذاته المطلقة الوحيدة أنه العبقري الذي لا يفهمه أحد. ولكن هذه الظواهر أو التجارب النفسية قد التقت مع تجربة العصر كله، وهي تجربة ترتفع فوق الذوات والأشخاص. والمهم أننا نجد عند روسو نوعا من التفسير الذاتي الذي سنجده عند عدد غير قليل من شعراء القرن التالي له، وهو تفسير الشذوذ بأنه الضمان الأكيد لرسالة المفكر والأديب والاقتناع بالصراع الضروري والشقاق المحتوم بين الذات والعالم اقتناعا يجعل روسو وأتباعه يقولون: «أحب إلي أن أكون مكروها من الناس على أن أكون عاديا مثلهم، بل إنهم ليجعلون من هذا القول قاعدة لسلوكهم وحياتهم. إن الذات التي لا يريد أن يفهمها أحد تتعذب بالاحتقار الذي تسببه لنفسها من الناس والمجتمع، كما تتعذب بالانطواء في عالمها الباطن الوحيد، وترى في ذلك آية العزة والكبرياء. بل إنها لتجد في هذا الاحتقار دليلا على رفعتها. ولقد عبر الشاعر فيرلين عن هذا كله حين أطلق على نفسه وأصدقائه كلمته المشهورة «شعراء ملعونون».
استطاع روسو في أحد أعماله المتأخرة «أحلام متجول وحيد» أن يعبر عما يمكن أن نسميه حالة يقين وجودي سابقة على مرحلة العقل. ومضمون هذه الحالة أشبه بضباب الحلم الذي يتسرب من الزمن الميكانيكي إلى الزمن الباطن الذي لا يفرق بين الماضي والحاضر، والخيال والواقع، والفوضى والنظام. والحق أن اكتشاف الزمن الباطن (أو الديمومة النفسية التي طالما تحدث عنها برجسون) ليس شيئا جديدا، ولكن الجديد عند روسو هو هذا الحماس الشاعري الذي يصفه به ويصوره جزءا من الذات الوحيدة المعادية للبيئة والمجتمع. وهو شيء سيكون له أكبر الأثر على حركة الشعر فيما بعد، وسيزيد في قوة تأثيره عن كل التحليلات الفلسفية لفكرة الزمن عند لوك أو غيره. وها هو ذا الزمن الميكانيكي أو الساعة، تصبح عند المتأخرين رمزا كريها للحضارة الآلية (كما نرى عند بودلير وغيره من الشعراء المعاصرين مثل ماتشادو)، كما يصبح الزمن الباطن ملاذ الشعر الذي يجاهد في الهروب من سجن الواقع.
أشار روسو في مواضع أخرى من كتاباته إلى فكرة إلغاء الفوارق بين الخيال والواقع، فالخيال وحده - كما يقول في قصته الشهيرة «هيلوييز الجديدة» - هو الذي يهب السعادة، أما التحقق في الواقع فهو للسعادة موت وفناء، كما يقول أيضا إن «بلاد الوهم هي البلاد الوحيدة التي تستحق أن يسكنها الإنسان في هذه الدنيا» (6، 8).
ووجود الإنسان قد بلغ من العدم والزوال بحيث لا يكون جمال إلا فيما لا وجود له. أضف إلى ذلك فكرة الخيال الخلاق. فمن حقه أن يخلق بقوة الذات وسلطانها أمورا ليس لها وجود ويضعها في منزلة أعلى من كل ما هو موجود (الاعترافات 2، 9).
قد يكون من الخطأ أن نبالغ في قيمة هذه العبارات وأثرها على الشعر المتأخر. إنها تنبع من حرارة العاطفة عند روسو وتصطبغ بألوانها. ولكننا لو استبعدنا هذه العاطفة لوجدنا الخيال قد أصبح ملكة جسورة تعلم أنها خادعة، ولكنها تريد هذا الخداع لأن صاحبها مقتنع بأن العدم - وروسو يفهم من الناحية الأخلاقية - لا يسمح للعقل بغير الإبداع الخيالي، وهذا وحده هو الذي يشبع حاجة الوجدان إلى التفتح والخلق. بهذا يصبح الخيال أو تصبح المخيلة قوة مطلقة، ولا يجد العقل نفسه ملزما بأن يقيس إبداع الخيال بمقياس الواقع. وسوف نلتقي بهذا الخيال نفسه في القرن التاسع عشر، بل سنجد إنه قد زاد حدة بحيث نستطيع عندئذ أن نتحدث عن طغيان الخيال المتسلط أو المخيلة الطاغية التي تحررت نهائيا من الألوان العاطفية التي صبغها بها روسو.
Halaman tidak diketahui