Revolusi Puisi Moden dari Baudelaire Hingga Zaman Kini (Bahagian Pertama): Kajian
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Genre-genre
نعود إلى ما قدمناه عن قصائد مالارميه فنقول إنه ما من قصيدة واحدة منها يمكن أن نفسرها على أنها تعبير عن فرحة أو حزن من تلك الأفراح والأحزان التي نفهمها جميعا لأننا نحسها جميعا. وليس معنى هذا أن مالارميه إله أو جماد، بل معناه أن شعره ينبثق من منبع أو مركز باطني يصعب أن نجد له اسما. قد نستطيع أن نسميه النفس، ولكن بشرط ألا نفهم من ذلك مجموعة من العواطف والانفعالات المختلفة المتضاربة، بل نوعا من الوجدان الشامل الذي ينطوي على طاقات عاقلة وأخرى سابقة للعقل، ويضم مشاعر حالمة وتجريدات صلبة صارمة، بحيث تظهر وحدة هذا المزيج كله في اهتزازات اللغة الشاعرة. لقد سار مالارميه على الطريق الذي أشار إليه «نوفاليس» و«إدجار بو» فوصل فيه إلى أقصى مداه. وهو كما عرفنا من قبل طريق الذات الشاعرة التي تصل إلى حالة الحياد غير الشخصي أو التي ترتفع فوق الأشخاص.
ولقد أشار مالارميه بنفسه إلى هذا الطريق، فهو يقول في معرض حديثه عن صديقه الشاعر تيودور دي بانفيل (1823-1891م) إن الشعر شيء يختلف كل الاختلاف عن الحماس أو البحران العاطفي. إنه في رأيه تناول للكلمات على مقتضى وزن وإيقاع مطلق، بحيث تصبح «صوتا يخفي وراءه الشاعر والقارئ معا» (ص333 من طبعة البلياد). هذه الكلمة تعبر عن قضية أساسية من قضايا الشعر المطلق الذي يبدو وكأن أنغامه لم تعد في حاجة لأن تخرج من فم بشري أو تتجه إلى أذن بشرية.
يقول مالارميه في موضع آخر (ص386) إن روح الشاعر «مركز ذبذبة لانتظار غير محدد.» وهو وصف يستبعد كل ما يتصل بالنفس من صفات وأسماء. ويقول أيضا في عبارات أبسط: «إن مهمة الأدب - وهو في هذا يتفق مع الجوع - استبعاد السيد كذا الذي يكتبه» (ص657). أي لا يصح أن نسأل ماذا يفعل كل يوم مع أهله. كما أن الإبداع أو قول الشعر في رأيه هو «أن نفنى يوما من أيام العمر أو أن نموت قليلا» (ص410)، وهو كذلك «أن نهب أنفسنا لواجب فريد يختلف كل الاختلاف عن كل شيء ينزع للحياة» (ص551). ليس للفن أية صلة بالأمور العملية وليس للعمل الفني أي شأن بالمطامع والمصالح لأنه عمل خالص يكفي نفسه بنفسه (ص413). والذين يجرونه إلى الشارع ويجعلونه موضوعا للحديث على الشاي، ويكرهونه على دخول البيوت، هم الذين يهينونه أبلغ إهانة (ص569). إن الفن آلهة رقيقة الطبع، تعيش منزوية في الخفاء، وتكره الظهور وتقدم الصفوف، ولا تطمع أبدا في إصلاح الغير، وهي تحيا عاكفة على نفسها، مشغولة بشخصها، باحثة عن الجمال في كل الظروف والأوقات، عازفة عن شهوة تعليم الناس أو إصلاحهم أو تغيير بيئتهم (هكذا عاش رهبان الفن مشغولين بفنهم وحده، مثل رمبرانت وفيلاسكويز، وبول فيرونيز وغيرهم). كل هؤلاء لم يكونوا مصلحين، ولم يشغلوا أنفسهم إلا بإنتاجهم، والكشف عن قوانين فنهم، ورؤية الجمال الحق الذي كان مصدر يقينهم وانتصارهم؛ لذلك لم يخلطوا الشعر بالعاطفة، ولا الجمال بالفضيلة، ولا الفن بالمنفعة. فإذا صاح أحد من نقادنا المتحمسين: والفن والحياة؟ والفن والجماهير؟ قال له مالارميه - على لسان الفنان الأمريكي وستلر
whistler
12
إن الجماهير زائلة من على وجه الأرض والفن وحده باق. أما الفنان فهو الذي كلفته الآلهة بأن يتم عملها، ولا تزال تنظر إليه في دهشة لأنه خلق فينوس أكمل من حواء. والفنان غريب في المجتمع؛ الذي ينظر إليه نظرته إلى العاطل. وليس أمام الفنان في مثل هذا المجتمع إلا أن يقضي حياته الوحيدة في شيء واحد؛ هو نحت قبره، وأن يبذل جهده في شيء واحد؛ أن يكون هذا القبر جميلا. لأن الفن نوع من الموت كل يوم في الحياة (راجع من ص569-583).
كان من رأي مالارميه أن الفن قد بدأ منذ الأبد وأنه سيستمر إلى الأبد، وعلى الفنان أن يعيد صوته الناعم الكامل إلى الحياة في كل عمل من أعماله. وقد كان مالارميه نفسه فيما يرويه عنه معاصروه إنسانا مهذبا بالغ الرقة، شديد التعاطف مع الغير، ناعم الصوت في أحاديثه وفي أشعاره. سأله يوما أحد زواره هذا السؤال الساذج: ألا تبكي أبدا في أشعارك؟ فأجابه على الفور: «ولا أتمخط فيها!»
لقد انتقل الصوت الخفيض الناعم إلى شعره، ولكن لم تصحبه العاطفية والشفقة وكل ما تحمله النزعات البشرية.
ويبدو أن نزعة مالارميه إلى التخلص من العواطف البشرية واتجاهه إلى التجرد الخالص في التعبير قد ظهرت في بواكير أشعاره. فهي ظاهرة في القطعة النثرية العجيبة التي خطط لها سنة 1869م (وتسمى إجيتور
Igitur
Halaman tidak diketahui