اكتمل المجلس ودارت الجوزة على مرأى من القمر الماضي في العلو. وتخلفت سناء لأول مرة منذ مجيئها، فلاحظ ذلك أحمد نصر ، وتضاربت التعليقات. وقالت سنية كامل: المسألة أنكم رجال في حال انعدام الوزن!
وبدا رجب لا مباليا وهو يثني على «الصنف»، فقال له أحمد نصر: كنت قاسيا معها أكثر مما يجوز، ولم تراع حداثة سنها. - لا يمكن أن أكون عاشقا ومربيا في وقت واحد. - لكنها صغيرة! - لست أول فنان في حياتها!
ورجح أحمد أنها أحبته بصدق فقال: إذا عاش حب شهرا كاملا في زماننا الصاروخي؛ فهو حب معمر!
وتذكر كيف أغرته بمغازلتها، وكيف أبى كيوسف! وكيف يصنع الحب الحكايات من قديم الزمان. وضوء القمر يسطع على وجوههم، وعما قليل سيختفي عن الأنظار. وعندما يدقق النظر في وجوههم تتكشف له عن ملامح جديدة كأنها وجوه غريبة، إنه يراهم عادة بأذنه، ومن وراء سحابات الدخان، ومن خلال الأفكار والمعاملات، ولكنه إذا ركز عليهم تركيزا تلقائيا نافذا وجد نفسه غريبا وسط غرباء، ورأى الخراب في التجاعيد الخفيفة حول عيني ليلى زيدان. ولمح قسوة ثلجية في ابتسامة رجب التهكمية. وتلوح الدنيا غريبة أيضا لا يدري موقعها من الزمان، ولعلها لا توجد أصلا. وانتبه على اسم سمارة وهو يتردد بينهم، وسرعان ما سمع صوتها وهي تضاحك عم عبده في الخارج. وسرى من هزة العوامة إلى جسده ما يشبه القشعريرة، وهلت سمارة في تايير أبيض. حيتهم بيديها واتجهت إلى الشلتة الخالية، شلتة سناء، وأشعلت سيجارة في ارتياح، ولكن لم يلاحظ أحد عليها تغييرا يمكن أن يفسر به سلوك رجب الغامض أمس. وتساءلت الفتاة ببراءة: أين سناء؟
فأجاب مصطفى راشد: في كوخ عم عبده!
احتفظت ببراءتها فقال: إنها تبحث هناك عن المطلق. فقالت: إنها كان يجب أن تبحث عنه عنده هو لا في كوخ عم عبده. فقال مواصلا تهكمه: الحق أنها وجدت حب رجب عرضا زائلا فمضت وراء شيء حقيقي لا يتغير.
فقالت آسفة: في كوخ عم عبده شيء لا يتغير حقا هو الخلاء!
أجل لا يملك الرجل سوى جلبابه وينام على أريكة قديمة بلا غطاء. هكذا وجده عند انتقاله إلى العوامة، ولكن لا بد أن يزوده بغطاء عند مقدم الشتاء. وألح مصطفى على سمارة في أن تجرب الجوزة، وانضم إليه رجب: لماذا تصرين على رفضها؟
فضحكت متسائلة: لماذا تحبونها؟ هذا هو السؤال المهم! - الامتناع عنها هو ما يحتاج إلى تفسير!
ووضح للجميع شغفها للوقوف على سرها الآسر. أجل، لماذا يعشق أناس غيبوبتها؟ لماذا يهيمون بالنعاس الذاهل؟
Halaman tidak diketahui