وقال علي السيد: ومقالات الكاتب تتكفل بالكشف عنه.
فسأله مصطفى راشد: هل تفعل ذلك مقالاتك النقدية؟
وضج المكان بالضحك، حتى علي السيد ضحك طويلا، وقال وما زالت أساريره ضاحكة: إني أحدكم أيها المنحلون العصريون، ومن شابه أصدقاءه فما ظلم، ولكن هذه الفتاة صادقة للأسف!
فقال خالد عزوز: كل قلم يكتب عن الاشتراكية على حين تحلم أكثرية الكاتبين بالاقتناء والإثراء وليالي الأنس في المعمورة.
فتساءلت سمارة: هل تناقشون هذه الأمور كثيرا؟ - كلا، ولكننا ندفع إليها إذا عرض أحدهم بحالنا.
ونادى أنيس عم عبده، فجاء العجوز العملاق ومضى بالجوزة من الباب الجانبي، ثم رجع بها بعد أن غير ماءها. انجذبت عينا سمارة إليه طيلة حضوره، ثم تمتمت عقب اختفائه: يا له من عملاق جذاب!
وتذكر علي السيد أنه الشخص الوحيد من أهل العوامة الذي لم يقدمه لها، فقال: هو عملاق حقا، ولكنه لا يكاد يتكلم. يعمل كل شيء ولكنه لا يتكلم إلا فيما ندر، ويخيل إلينا كثيرا أنه غارق أبدا في لحظته الراهنة، ولكن لا يمكن الجزم في ذلك بشيء قاطع. وأعجب شيء أنه قد يصدق عليه أي وصف؛ فهو قوي وهو ضعيف، وهو موجود وغير موجود، وهو إمام المصلى المجاور وهو قواد!
فضحكت سمارة طويلا، ثم قالت: الحق أني أحببته من أول نظرة!
فقال رجب بتلقائية: عقبى لنا!
نظرت سناء إلى الليل كالهاربة، ولكنه طوق خاصرتها بذراعه كالمعتذر. واقتحمت رأس أنيس تساؤلات شتى، هل اجتمع هؤلاء الأصدقاء - كما يجتمعون الليلة - بثياب مختلفة في العصر الروماني؟ وهل شهدوا حريق روما؟ ولماذا انفصل القمر عن الأرض جاذبا وراءه الجبال؟ ومن من رجال الثورة الفرنسية الذي قتل في الحمام بيد امرأة جميلة؟ وما عدد الذين ماتوا من معاصريه بسبب الإمساك المزمن؟ ومتى تشاجر آدم - بعد الهبوط من الجنة - مع حواء لأول مرة؟ وهل فات حواء أن تحمله مسئولية المأساة التي صنعتها بيدها؟
Halaman tidak diketahui