Budaya Kita Menghadapi Era
ثقافتنا في مواجهة العصر
Genre-genre
وأما الشيء الثاني الذي وجده رسل عند بيانو في ذلك المؤتمر الفلسفي، فهو أن الفئة ذات العضو الواحد ليست هي بذاتها ذلك العضو الواحد؛ فإذا قلنا عبارة كهذه: «جرم سماوي يدور حول الأرض»، كان ذلك بمثابة وصف يحدد نوعا بأسره، حتى يثبت أن ما ينطبق عليه هذا الوصف هو كوكب واحد، وهو «القمر»، والفرق بين التسميتين هو أن التسمية الأولى تنطبق على القمر وعلى غيره مما قد نكتشف أنه يدور حول الأرض، على حين أن التسمية الثانية هي «اسم علم»؛ أعني اسم فرد واحد لا ينطبق إلا على مسماه الواحد المعين ... وقد تقول: وما أهمية ذلك؟ فنجيب إن الخلط بين الحالتين يؤدي إلى خلط في منطق المجموعات، أعني أنه يؤدي إلى خلط في منطق الأعداد الرياضية، وفي ذلك ما فيه من تعويق لتطور العلم الرياضي.
وهذا ينقلنا فورا إلى فكرة من أهم ما ورد في فلسفة رسل الرياضية - وفي فلسفة غيره من الفلاسفة الرياضيين كذلك، مثل فريجه الألماني - وأعني بها تعريف العدد بالفئة، أعني تعريف مفهوم رياضي أساسي بمفهوم منطقي أساسي، ومن ثم ينفتح الطريق أمام وصل الرياضة بالمنطق وصلا يؤدي إلى جعلهما علما واحدا لا سبيل إلى شقة شقين إلا جزافا واعتباطا؛ فما هو العدد؟ كان الجواب عند الفلاسفة الحدسيين، أنه كائنات ميتافيزيقية يراها الإنسان بحدسه رؤية مباشرة، فيدركها؛ أي إن الرائي بحدسه يعلم معنى «الواحد» ومعنى «الاثنين» ومعنى «الثلاثة» - إلى آخر صف الأعداد الطويل - بمجرد رؤيته لصورة الفكرة في ذهنه؛ حتى جاء هؤلاء الفلاسفة الرياضيون - وعلى رأسهم رسل - فحللوا العدد إلى ما هو أبسط منه؛ إذ جعلوه دالا على مجموعة الفئات الصغيرة التي تكون كل مجموعة منها ممثلة له؛ فلو أتيح لك أن تجمع - في تصورك - جميع الثالوثات التي في العالم بأسره، ثم تحزمها كلها في حزمة واحدة، لكان لك بذلك مجموعة كبيرة تضم مجموعات صغيرة متشابهة من حيث تكوينها؛ وهذه المجموعة الكبيرة هي التي تكون معنى العدد ثلاثة؛ هذا هو المقصود حين يقال إن العدد عبارة عن فئة من فئات - فئة كبيرة تضم فئات صغيرة متشابهة البنية - كل منها يدل بمجرد تكوين بنيته على العدد المراد تعريفه. وبهذا التحليل ترتد الرياضة كلها إلى منطق صرف، ما دمت قد استطعت رد مصطلحها الأساسي إلى مصطلح منطقي، فبدل قولك - مثلا - ثلاثة، أصبحت تقول فئة كبيرة تضم فئات ثلاثية كثيرة؛ وبذلك تكون قد استغنيت عن مجوعة كبيرة من الكائنات كان يظن أنها موجودة وجودا فعليا كما توجد سائر الكائنات، وأعني بها الأعداد، وتكون أيضا قد ألغيت ركنا من البناء الميتافيزيقي لم يعد له داع، ما دامت الأعداد الرياضية - وسائر الحقائق الرياضية - قد تحولت إلى تيسيرات لفظية لا أكثر ولا أقل.
وعاد رسل من مؤتمر باريس؛ ليشرع توا في تأليف كتابه «أصول الرياضة»، وانكب عليه انكبابا، حتى فرغ من مسوداته ليلة رأس السنة: 31 من ديسمبر سنة 1900م، لكنه صدر من المطبعة سنة 1903م، بعد مراجعات وتعديلات أجراها فيه قبل طبعه.
وفي الوقت نفسه تقريبا، اتفق مع وايتهد على أن يشتركا معا في كتاب «مبادئ الرياضة»، الذي استنفد منهما عشر سنوات (1900-1910م)، أضيفت إليها ثلاث سنوات أخرى قبل أن تخرجه المطبعة كاملا في مجلداته الثلاثة، يقول رسل في طريقة التأليف المشترك لهذا الكتاب - الذي يعد فاصلا بين عهدين في تاريخ الفلسفة المعاصرة جميعا - ما يأتي:
لقد كرسنا - وايتهد وأنا - كل وقتنا طيلة الأعوام الممتدة من 1900م إلى 1910 للعمل الذي صار فيما بعد كتاب «مبادئ الرياضة» (برنكبيا ماثماتيكا)، وبالرغم من أن المجلد الثالث من هذا الكتاب لم ينشر إلا سنة 1913م، فإن دورنا في تأليفه (باستثناء قراءة تجارب طبعه) قد انتهى سنة 1910م، عندما حملنا أصول الكتاب بأكملها إلى مطبعة جامعة كيمبردج ... وكانت المشكلات التي عالجناها من نوعين: مشكلات فلسفية، وأخرى رياضية؛ ويمكن القول إجمالا إن وايتهد قد ترك لي المشكلات الفلسفية؛ وأما المشكلات الرياضية فإنه هو الذي ابتكر لها الجانب الأكبر من الرموز - إلا ما كان مأخوذا من «بيانو» - وقمت أنا بالجانب الأكبر من العمل الخاص بالمسلسلات، وقام وايتهد بالباقي؛ غير أن هذا كله لا ينطبق إلا على المسودات الأولى؛ لأننا أعدنا كتابة كل جزء من الأجزاء ثلاث مرات، وكنا كلما فرغ أحدنا من مسودة أولى، أرسلها إلى الآخر، فكان هذا يجري فيها تعديلات قد تكون كبيرة أحيانا، وبعدئذ يقوم صاحب المسودة الأولى بصياغتها في صورتها الأخيرة؛ لذلك لا يكاد يوجد في المجلدات الثلاثة سطر واحد لم يكن إنتاجا مشتركا بيننا.»
قلنا إن رسل قام بالجانب الفلسفي - بصفة عامة - من هذا المؤلف الجسيم، بينما قام وايتهد بجانبه الرياضي - بصفة عامة أيضا - وبقي أن نذكر بعض تفصيلات عن الجانب الفلسفي الذي اضطلع به رسل؛ فنقول - ابتداء - إن الهدف الرئيسي من الكتاب كله هو - كما يقول رسل - «إثبات أن الرياضة البحتة بأكملها تترتب على مقدمات منطقية خالصة، وأنها (أي الرياضة البحتة) تستخدم مدركات عقلية لا يمكن تعريفها إلا على أساس من المنطق.» وواضح من ذلك - عند دارسي الفلسفة والرياضة - أن الكتاب بهدفه هذا قد جاء لينقض الفلسفة الكانتية، التي أسست المدركات الرياضية على مبادئ خاصة بها، لا على المدركات المنطقية من حيث هي كذلك؛ ومن أجل هذا يقول رسل: إنني عددت الكتاب في أول الأمر بمثابة جملة اعتراضية جاءت في سياق تفنيدنا لذلك المتعجرف السوفسطائي، كما وصفه جورج كانتور، وهو وصف أضفت إليه ابتغاء مزيد من التحديد قولي: «ذلك المتعجرف السوفسطائي الذي لم يكن يعرف من الرياضة إلا قليلا.»
وكان من أهم الجوانب الفلسفية التي تعرض لها كتاب «مبادئ الرياضة» هذا، تحليله للفئات (أي الأنواع) المنطقية تحليلا تبدت بعده في صورة دالات القضايا؛ فقولك مثلا «إنسان» أو «قط» أو ما شئت من هذه الأسماء الدالة على مجموعات يمكن تحليله بحيث يتحول كل اسم من هذه الأسماء إلى عبارة فيها مجهول، مثل «س يتصف بكذا وكذا»، ومن هنا فهي عبارة ليست بذي معنى وحدها، ولا يكون لها معنى إلا إذا ملئت «س» بمعلوم معين، فإذا ملأنا الفجوة بهذا المعلوم، تحولت «دالة القضية» إلى قضية كاملة يمكن التحقق من صدقها أو عدم صدقها.
وهنالك تفرقة مهمة بين قضية تشير إلى مجموعة قضايا، وقضية أخرى تشير إلى واقعة معينة؛ وهي تفرقة لو أفلتت منا وقعنا في متناقضات لا سبيل إلى الخروج منها، اعترضت الفكر الإنساني منذ اليونان الأقدمين، ولم يعرفوا كيف يكون الخلاص. ومن الأمثلة التاريخية لهذه المتناقضات مثل - وكثيرا ما يجعلون هذا المثل رمزا يشير إلى مجموعة كبيرة منها - يروى عن إبمنديز الأقريطي، حين قال عن أهل بلده أقريطش إنهم جميعا كذابون، فها هنا تنشأ المفارقة الشهيرة: إذا كان أهل أقريطش جميعا كذابين، وإذا كان إبمنديز من أهل أقريطش؛ إذن فهو كذاب، ويترتب على تلك الصفة فيه أن يكون قوله هذا الذي قاله عن أهل أقريطش كاذبا، وإذن فنقيضه هو الصدق، أعني أن أهل أقريطش جميعا صادقون، وإبمنديز واحد منهم، إذن فهو صادق؛ هكذا ترى أن إبمنديز لا يكون صادقا في قوله هذا إلا إذا كان كاذبا، ولا يكون كاذبا في قوله هذا إلا إذا كان صادقا.
أصبح هذا المثل التاريخي عنوانا على موقف يتكرر في الفكر الإنساني أشكالا وألوانا، حتى حدثت التفرقة على يدي رسل، بنظريته المسماة «نظرية الأنماط»، ومؤداها أنه لا يجوز أن تعد القضية المشيرة إلى قضايا من نفس المستوى مع القضية التي تشير إلى وقائع؛ فافرض أنك قلت عن فلان من أهل أقريطش إنه كاذب، وعن فلان الثاني إنه كاذب، وعن فلان الثالث إنه كاذب، وهلم جرا؛ فهذه كلها قضايا تشير إلى وقائع، أما إذا لخصت هذه القضايا وعممتها في قضية تقول: «أهل أقريطش كلهم كذابون» فهذه قضية تشير إلى قضايا؛ ولذلك فهي من مستوى أعلى ويكون لها حكم غير الحكم الذي يكون للقضايا التي هي من المستوى الأدنى. وأراني هنا أضعف من أن أقاوم الإغراء بأن أذكر للقراء مثلا كثيرا ما تعرضت له عند نقد الناقدين للوضعية المنطقية؛ إذ هم كثيرا ما يقولون: ما دام الوضعيون المنطقيون يقولون إن القضايا العلمية هي إما قضايا رياضية وإما قضايا في العلوم الطبيعية، وما عدا هذين الفرعين هو من قبيل الكلام الخالي من المعنى، فنحن إذا طبقنا هذا المعيار نفسه على قول الوضعيين المنطقيين، وجدنا أنه قول لا هو من قبيل القضايا الرياضية ولا هو من قبيل قضايا العلم الطبيعي، وإذن فهو قول فارغ من المعنى؛ وهنا يكون الرد بنظرية الأنماط التي قدمها رسل في كتاب «مبادئ الرياضة»؛ لأن قول الوضعيين المنطقيين ينصرف إلى أقوال، وإذن فهو من نمط منطقي أعلى، ولا يجوز أن نطبق عليه ما نطبقه على المستوى الأدنى؛ ولتوضيح ذلك أفرض أنني كتبت على رأس هذه الصفحة جملة تقول: إن جميع الأقوال الواردة في هذه الصفحة مكتوبة باللغة العربية؛ فإذا وجدت بعد ذلك أن من بين الأقوال الواردة في هذه الصفحة ما هو صواب وما هو خطأ، فلا ينصرف ذلك على الجملة العليا؛ لأن لها صدقها وحدها أو عدم صدقها.
على أن نظرية الأنماط المنطقية إنما أوردها رسل ليقابل بها مشكلة رياضية هامة، كان قد أثارها كانتور الرياضي، وهي مشكلة خاصة بالعدد الذي يكون هو أكبر الأعداد، ولا يكون هناك عدد أكبر منه في السلسلة العددية؛ يقول كانتور في هذا الصدد إنه ليس هناك مثل هذا العدد، ويجيء رسل شارحا لذلك؛ لأنه ربما قيل إننا لو عددنا الأشياء كلها الموجودة في العالم؛ فقد يكون آخر عدد نصل إليه هو أكبر عدد يمكن الوصول إليه، لكن رسل ينبه على أننا نستطيع أن نكون من الأشياء فئات فئات؛ أي أن نجمعها مجموعات مجموعات، وعندئذ نجد أن مجموع الفئات أكبر من مجموع الأشياء الداخلة في تكوينها، وعلى سبيل المثال افرض أن كل ما في العالم ثلاثة أشياء؛ هي: أ، ب، ج؛ فمن هذه الأشياء الثلاثة تستطيع أن تكون مجموعات عددها 32؛ أي ثمانية مجموعات، ومن هنا يتعذر أن نصل إلى مرحلة نقول عندها: هذه أكبر مجموعة، أو أكبر عدد يمكن تصوره؛ ومن هذا المدخل تناول رسل مشكلة الفئة التي لا تكون عضوا في نفسها، ف «الإنسان» اسم لفئة الأناسي، لكن «الإنسان» ليس واحدا منهم، كما تحزم الملاعق كلها - وهذا هو المثل الذي يسوقه رسل - فلا تكون حزمة الملاعق ملعقة مضافة إليها، وكذلك ما يقال عن فئة الأعداد كلها، لا يكون عددا من بينها؛ وعلى وجه الجملة ليس لأي اسم كلي معنى على نفس المستوى الذي يكون فيه لاسم العلم (بفتح اللام) معنى.
Halaman tidak diketahui