Budaya Kita Menghadapi Era
ثقافتنا في مواجهة العصر
Genre-genre
وتأسيسا على هذه النظرة العصرية، وجدنا مدارس علم النفس في دراستها للإنسان قد تختلف في الأصول التي ترد إليها سلوكه، لكنها تتفق في أن هذا هو منهج النظر؛ فهذه مدرسة فرويد مثلا ترد السلوك الإنساني إلى أصول دفينة من اللاشعور؛ أي إنها تفسر الطبقة العليا من كيان الإنسان بالطبقة الدنيا، وبهذا ينحل «العقل» إلى جذور ضاربة في غرائز الحيوان، وهذه هي مدرسة أخرى، أقرب إلى روح العلم الحديث من فرويد، وأعني بها مدرسة «السلوكيين»، الذين يحللون السلوك تحليلا يرده إلى أفعال منعكسة، ومرة أخرى نلاحظ أن الطبقة السلوكية العليا تفسر بالطبقة السلوكية الفطرية الدنيا.
هذا هو العصر .. ولكننا بحكم إطارنا الثقافي الأصيل، نشعر بالقلق الشديد، إذا نحن أنزلنا الإنسان هذه المنزلة التي تسلكه مع الطبيعة في عقد واحد، وإذا نحن هبطنا «بالعقل» إلى درجة تجعله وظيفة عضوية كسائر الوظائف التي تؤديها أعضاء البدن؛ لأن هذه النظرة من شأنها أن تؤدي بنا إلى إنكار ما بعد الموت، ومن ثم استمسكت ثقافتنا العربية بنظرتها التقليدية الأصيلة، التي تفرق بين بدن وروح، لتكون هذه التفرقة مدخلا إلى تفرقة أعم، ولعلها أهم، بين دنيا ودين، بين حياة أولى وحياة آخرة.
هما اتجاهان متضادان، تراهما في مختلف الثقافات ومختلف العصور؛ فإما أن يميل أصحاب النظر الفلسفي أو العلمي إلى «تعقيل» الطبيعة، وإما أن يميلوا إلى «تطبيع» العقل، الأولون «روحانيون»، والآخرون «ماديون»، والفكرة السائدة في عصرنا هذا هي أميل إلى تطبيع العقل؛ أي إلى جعل العقل ممكن التحليل، بحيث يرتد إلى ظواهر طبيعية صرف .. وهو ما ترفضه الثقافة العربية الحديثة من عصرها.
ونسأل بعد الذي قدمناه: ما موقف الثقافة العربية الحديثة في مواجهة العصر؟ فنجيب: هو موقف الرافض للمبادئ والجذور، ولا بأس عليه بعد ذلك أن يقبل بعض النتائج مبتورة عن مبادئها، ويقبل بعض الثمار مستغنيا عن جذورها التي أنبتتها.
فقد وجدنا العصر متميزا بالعلم التقني، وهو علم يقتضي وراء ذلك أن نحصر النظر فيما يخضع للتجربة من ظواهر الطبيعة، لا نمد البصر إلى ما كان قبل ذلك، ولا إلى ما سوف يكون بعد ذلك؛ فلا الأسباب الأولى تهمنا في مجال العلم، ولا الغايات تعنينا، فقبلنا من العصر نتائجه العلمية النظرية، وأجهزته وآلاته، ورفضنا أن نحصر النظر في دنيا الظواهر الطبيعية كما يحصرها.
ووجدنا العصر متميزا بالنظرة النسبية التي ترفض المطلقات حتى في الحال العلمي الدقيق نفسه، بله أن يرفضها فيما هو نسبي بطبيعته كالقيم، فقبلنا النسبية في الفيزياء وما إليها، لكننا تشبثنا بالقيم المطلقة الموضوعية، التي نزعم أنها حقائق أزلية لا سبيل إلى الاختلاف عليها بين إنسان وإنسان.
ووجدنا العصر أميل إلى أن يجعل الإنسان ظاهرة كغيرها من ظواهر الطبيعة، يخضع للبحث العلمي بالطريقة نفسها التي تخضع بها الفيزياء أو علوم الحياة، فرفضنا أن ننظر إلى الإنسان تلك النظرة التي تسوي بينه وبين سائر الكائنات.
موقف العرب من المذاهب الفلسفية
المعاصرة
من أفدح الكوارث التي يشقى بها المشتغلون «بالفلسفة» أنها - في العصر الواحد - لا تستقر لنفسها على معنى واحد، حتى لقد ينظر الرائي فإذا هو أمام ضروب من النشاط العقلي اختلف بعضها عن بعض، ومع ذلك فكلها «فلسفة» على حد سواء، ثم جاء عصر الناس هذا، فزادت الكارثة فداحة؛ لأن ضروب ذلك النشاط العقلي قد ازدادت تشعبا، وأوشكنا أن نبلغ حدا يستحيل معه الإجماع على رأي واحد، فيما عسى أن يكون مجال البحث، عندما نسمي هذا البحث «فلسفة» والباحث «فيلسوفا»؛ وذلك لأن موضع الاختلاف فيما مضى كان ينحصر - عادة - في موضوع البحث الفلسفي ماذا يكون؟ وأما اليوم فقد اتسعت هوة الخلاف، بحيث تناول منهج البحث أيضا: كيف يكون؟
Halaman tidak diketahui