Tiga Pelajaran Tentang Descartes
ثلاثة دروس في ديكارت
Genre-genre
فكان من ذلك تكبير إلى حد بعيد لصورة الإنسان والعالم من الوجهات التاريخية والجغرافية والعلمية، وكان من ذلك غليان مختلط خصب لأفكار جديدة وأفكار مجددة، وكان بعث لعالم منسي، وميلاد لعالم جديد، ولكن كان أيضا نقد وزعزعة، وأخيرا هدم وموت تدريجي للعقائد القديمة والتصورات القديمة، والحقائق القديمة التي كانت توحي للإنسان اليقين بالعلم والأمن في العمل، والاثنان متلازمان، فإن الفكر الإنساني جدلي في الأكثر، أو في الأكثر تقوم الحقائق الجديدة على أنقاض الحقائق القديمة.
ومهما يكن من أمر هذه القضية العامة فهي صادقة بالإضافة إلى القرن السادس عشر؛ إذ إنه هدم في كل شيء، هدم وحدة أوروبا السياسية والدينية والروحية، هدم نفوذ العلم ونفوذ الإيمان، هدم سلطة الكتب المقدسة، وسلطة أرسطو، وسلطة الكنيسة، وسلطة الدولة، وسلطة الجامعة.
ركام من النفائس وركام من الأنقاض، تلك هي نتيجة ذلك النشاط العنيف المختلط الذي خرب كل شيء، ولم يعرف أن يبني شيئا، أو على الأقل لم يعرف أن يتم شيئا؛ لذلك نرى الإنسان وقد حرم معاييره الموروثة للحكم والاختيار، يحس أنه ضل السبيل في عالم أصبح قلقا وانتفى منه اليقين وصار فيه كل شيء ممكنا، فبرز الشك شيئا فشيئا ؛ إذ إنه كان كل شيء ممكنا، فمعنى ذلك أن ليس شيء حقا، وإذا لم يكن شيء محققا فمعنى ذلك أن ليس شيء حقا، وإذا لم يكن شيء محققا فمعنى ذلك أن الخطأ وحده مؤكد.
لست أنا الذي يستخرج هذه النتيجة من المجهود البديع الذي بذله عصر النهضة، ثلاثة رجال من أبناء ذلك العصر استخرجوها من قبلي هم: أجريبا، وسانشير، ومونتاني.
أما أجريبا ففي سنة 1537 بعد أن استعرض جميع العلوم أعلن الشك فيها، وأما سانشير فبعد أن نقد قوتنا الفكرية كرر الحكم سنة 1562 «بأنا لا نعلم شيئا»، وتشدد فقال: «إنا لا نستطيع أن نعلم شيئا، لا العالم ولا أنفسنا.» وأخيرا مونتاني يطفح الكيل فيقول: الإنسان لا يعلم شيئا؛ لأن الإنسان ليس شيئا.
إن في أمر مونتاني بنوع خاص لعبرة وعجبا: هذا الهادم الكبير لم يهدم في الواقع إلا على الرغم منه. كل ما أراد هدمه بادئ ذي بدء إنما هو الخرافة والخطأ والتعصب للرأي الخاص الذي يدعي أنه على حق، ويعتقد ذلك بدون دليل. ولم يكن الذنب ذنبه إذ تركه صفر اليدين، فالواقع أن كل شيء إنما هو «ظن» في عالم يسوده الشك.
ويحاول مونتاني حينئذ أن يقوم بالمناورة السقراطية، تلك المناورة المعروفة التي تحاولها الفلسفة متى أحست الضيق واليأس، فإن الفلسفة تحاول دائما أن تعطينا جوابا عن هذين السؤالين: «ما الوجود؟» و«ما أنا؟» أو إن شئتم: «أين أنا؟» و«ما أنا؟» أنا الذي يضع هذا السؤال.
ففي العصور السعيدة تبدأ الفلسفة بما هو موجود بالعالم، ومن النظر في العالم تحاول أن تجيب عن سؤال: «ما أنا؟» وذلك بالبحث عن المكان الذي يشغله الإنسان في «سلسلة الوجود الكبرى» في النظام الوجودي، ولكنها في أوقات الأزمة؛ إذ يخيم الشك على الوجود، يتفكك العالم وينحل أجزاء، تتجه نحو الإنسان وتبدأ بسؤال: «ما أنا؟» وتسأل ذلك الذي يسأل.
وهذا هو ما يفعل مونتاني فإنه يدع جانبا العالم الخارجي، وهو موضوع ظن، ويحاول أن يخلو إلى نفسه، وأن يجد فيها أساس اليقين والمبادئ الوطيدة للحكم أي للتمييز بين الصواب والخطأ.
هذا هو السبب الذي من أجله يدرس نفسه ويصفها ويحللها، وهو يطلب في أحوالها المتغيرة المتنوعة أساسا متينا يسند إليه معيار الحكم، وإني أكرر القول أن ليس الذنب ذنبه؛ إذ لم يجد شيئا هنا أيضا؛ إذ لم يجد سوى الشك والفراغ والانتهاء والموت.
Halaman tidak diketahui