فِيهِ من الإيجاز، فكاد أَن يُجَاوز التعمية وَيلْحق بالألغاز، مسالكه من الوعورة تقصر عَنْهَا الْخَطَأ، تهَامَة فيح يحار فِيهَا القطا، فَصَارَ بذلك محجوبا عَن الْأَبْصَار، وَإِن اشْتهر عنوانه بمعظم الْأَمْصَار، تصدى لشرحه بعض من حضر دراسته، وَلم يكن فَارس ميدان فراسته، فَبَقيت مخدراته عذارى فِي خدورها، وَلم تجل عرائسه بمنصة ظُهُورهَا، لكنه لم يقصر فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من النَّقْل، وَقد ينْقل عَن المُصَنّف مَا يقبله الْعقل، ويحكى أَنه عرض عَلَيْهِ كِتَابه، وَسمع بعد الْعرض جَوَابه.
(سَارَتْ مشرقة وسرت مغربا ... شتان بَين مشرق ومغرب)
تغمده الله بغفرانه، وَأدْخلهُ فِي جنانه، فَلَمَّا علمت أَنه مجمع الدقائق، ومعدن الْحَقَائِق، وَفِيه بغية المرتحلين هَذِه الأوطان، لطلب مزِيد الْعلم وَكَمَال الْعرْفَان، عرفت أَن شَرحه من أهم المطالب، والكشف عَنهُ من أعظم المآرب، وأنفت همتي عَن التقاعد عَنهُ تعسيرا، فَنَهَضت وشمرت عَن سَاق الْجد تشميرا، مستعينا بجوار بَيت الله الْكَرِيم زَاده الله من التشريف والتعظيم، فَدخلت بادية لم تسلكها سابلة لتقتفي آثَارهم، وَلم يرد مناهلها وَارِدَة ليتبع أخبارهم، فصرفت خِيَار عمري فِي حل مشكلاته، وبذلت كَمَال جهدي فِي فتح مغلقاته، وبالغت فِي التَّنْقِيح والتوضيح، واكتفيت فِيمَا يتَبَادَر بالتلويح، واقتصدت بَين الإيجاز والإطناب، احْتِرَازًا عَن الإملال والإسهاب، وكررت فِيهِ من التَّغْيِير والتبديل، لإِصْلَاح الْخلَل وَقصد التسهيل. فَكَانَ ذَلِك عِنْد المذاكرة والمدارسة، بِمحضر جمع من الحذاق فِي المباحثة والممارسة. فتم بِحَمْد الله مَا كَانَ منيتي بمنة رَبِّي، لَا بحولي وقوتي، فَأصْبح قريب التَّنَاوُل بعد أَن لم تَجِد إِلَيْهِ سَبِيلا، وَصَارَ كجنة أينعت ثمارها، وذللت قطوفها تذليلا، وَحَيْثُ يسر بِهَذَا الشَّرْح ذَلِك الْمَتْن العسير. دعتني هَذِه الْمُنَاسبَة أَن أُسَمِّيهِ " تيسير التَّحْرِير " وأسأل الله تَعَالَى أَن يرزقه الإقبال، ويوفق لمطالعته المستعدين من أهل الْكَمَال.
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة، مُجْتَهد دهره، ومحقق عصره، شيخ الْإِسْلَام، ومفتي الْأَنَام، مُفِيد الطالبين، قطب العارفين.
(يَقُول العَبْد الْفَقِير مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد، الإسكندري مولدا، السيواسي منتسبا، الشهير بِابْن همام الدّين: غفر الله ذنُوبه، وَستر عيوبه) وَالِده الْعَلامَة: كَانَ قَاضِي سيواس من بِلَاد الرّوم وَمن بَيت الْعلم وَالْقَضَاء، قدم الْقَاهِرَة وَولي خلَافَة الحكم بهَا عَن القَاضِي بدر الدّين لحنفي بهَا، ثمَّ ولي الْقَضَاء بالإسكندرية، وَتزَوج بهَا بنت القَاضِي الْمَالِكِي يَوْمئِذٍ، فَولدت لَهُ المُصَنّف، ومدحه الشَّيْخ بدر الدّين الدماميني بقصيدة بليغة يشْهد لَهُ فِيهَا بعلو الْمرتبَة فِي الْعلم،
1 / 3