وقتلوا المشركين كآفة
[التوبة: 36] أى لا يقيد القتال فى الحرم بدءا، أى الآى نزلت أولا، فهى الناسخة وما بعدها تقرير لها، والكل مناف لحكم المنسوخ { كذلك } الذى تفعلون بهم من الإخراج لهم من حيث أخرجوكم وقتلهم حيث ثقفتموهم { جزآء الكفرين } المذكورين فالظاهر فى موضع المضمر للتصريح بموجب الجزاء، وهو الكفر والجنس فيدخلون أولا وبالذات.
[2.192]
{ فإن انتهوا } عن الشرك والقتال والصد يغفر لهم ما قد سلف، أو فاقبلوا عنهم، أو فانتهوا عن قتالهم ونحو ذلك مما يصلح جوابا، وناب عن الجواب علته كما قال { فإن الله } أى لأن الله { غفور رحيم } لكل تائب، وإن قدرنا فإن الله غفور رحيم لهم فهو الجواب لا علة له، وهذا الانتهاء المذكور عنهم مسبب عن قتال المسلمين لهم بدليل الفاء ويجوز أن تكون ترتيبا بلا تسبب، إلا أنه قليل، وقاتل العمد تقبل توبته ولو موحدا، ولا دليل لهذا فى الآية لأنها فى المشركين.
[2.193-194]
{ وقتلوهم } عند المسجد الحرام وغيره، بدأوكم أو لم يبدأوكم { حتى } إلى أو كى { لا تكون } تثبت { فتنة } ى شرك وصد وقتل منهم، ولا تقبل جزية، لأن الكلام فى شرك العرب فى الحرمين، وما يليهما، وليسوا أهل كتاب ولا مجوسا { ويكون الدين } كله كما فى الأنفال ولم يذكره هنا لأن الكلام هنا فى أهل مكة والدين العبادة والتوحيد والاعتقادات والأمور التى هى صواب وحق يحكم بها ويؤمر بها وتتخذ دينا { لله } لا يعبد سواه ولا يعتبر شرع غيره من الأديان الباطلة ولا تعتقد الألوهية لغيره { فإن انتهوا } عن الشرك والقتال والصد فانتهوا عن قتالهم، أو فلا عدوان عليهم كما قال { فلا عدون } أى لأنه لا عدوان { إلا على الظلمين } بالشرك والحرب والصد غير المنتهين عن ذاك. والمنتهى ليس ظالما، والعدوان البغض والقصد بسوء كالقتل والسبى والغنم، ولا يقال العدوان الظلم، والاعتداء معبرا به عن الجزاء عليهما للمشاكلة لأنا نقول غير الظالم لا تسمى الإساءة إليه جزاء أيضا، وفى قولنا المعنى لا تفعلوا ما هو فى صورة الظلم مجازاة بمثله إلا على الظالمين تكلف، وعلل قولة واقتلوهم حيث ثقفتموهم تعليلا جميليا بقوله:
{ الشهر الحرام } ذو القعدة من السنة عند عمرة القضاء قال الله لا تكرهوا قتالهم فى الشهر الحرام فإنه مقابل قتالهم وصدهم لكم عام الحديبية، فإن منعوكم فى عمرة القضاء فقاتلوهم هتكا لحرمتهم كما هتكوها لكم فى الحديبية { بالشهر الحرام } ذى القعدة من السنة السادسة فى الحديبية، قاتلهم المشركون فيها ببعض سهام وحجارة كما روى عن ابن عباس، وما فى البخارى من أنه لم يقع قتال فى الحديبية، معناه لم يقع قتال كبير، وعن ابن عباس، رمى المسلمون المشركين فى عمرة الفضاء حتى أدخلوهم ديارهم، وقيل لم يقع القتال فى ذى القعدة وإنما هو ما يراد عند الثانى { والحرمت } جمع حرمة ما يجب احترامه وحفظه، وهذا احتجاج لجواز هتك حرمة الشهر بهتكهم إياه فى الحديبية ولله أن يهتك ما شاء { قصاص } أى شأن الحرمات قصاص، أو الحرمات ذوات قصاص، كأنه قيل الشهر الحرام من الحرمة والحرمة يجرى فيها القصاص فى الجملة، نفسا أو عرضا أو مالا، والشهر الحرام مما أراد الله فيه القصاص بالقتال، وأما ما يقال الشهر الحرام من الحرمة، وكل حرمة يجرى فيها القصاص فالشهر الحرام فيه القصاص فلا، لأنه لا يثبت أن كل حرمة فيها قصاص { فمن اعتدى عليكم } فى عمره القضاء بالمنع عنها أو بالقتال فى الحرام أو الإحرام أو الشهر الحرام { فاعتدوا عليه } جازوه عن اعتدائه، سمى فعلهم باسم الفعل الأول للشبه ولعلاقة الجوار وباسم الملزوم وباسم السبب، وكذا فى سائر اعتبار المشاكلة { بمثل ما اعتدى عليكم } بالدخول فى مكة، ولو كرهوا كما منعوكم منها فى العام الأول، وقاتلوهم على المنع، ولو لم يقاتلوا فيه، بل اقتصروا على المنع، كا تقاتلوهم إن قاتلا، ولا تزيدوا بأن تقاتلوهم ولم يقاتلوكم ولم يمنعوكم، أو بأن تقاتلوا من لم يقاتل، عمم الشافعى القتل بمثل ما قتل به محتجا بالآية كقتل بمحدد وخنق وحرق وتجويع وتغريق حتى لو أغرقه فى عذب لم يغرق فى ملح { واتقوا الله } احذروا عقابه على المبالغة فى الانتقام وعلى الاعتداء الحقيقى الذى هو فعل ما لا يجوز، أو اتقوا الله فى الانتصار لأنفسكم بما لا يجوز وترك الاعتذار بما لا يجوز { واعلموا أن الله مع المتقين } بالعون فى أمر الدين والدنيا وبالنصر وإصلاح الشأن والحفظ، والاتقاء اتقاء المعاصى إجلالا لله، واتقاؤها خوفا من عقابها واتقاء الله أيضا إجلاله.
[2.195]
{ وأنفقوا } أموالكم على أنفسكم، أكلا ولباسا لتقووا على الجهاد، وفى شراء الخيل ونفقتها، وآلتها للجهاد وشراء السلاح، وللزاد، وتجهيز الغزاء بقدر ما تطيقون، وفى صلة الرحم والمحتاج والحج والعمرة. وأهل الحاجة والعيال وجميع المصالح الدينية وكل ذلك فى سبيل الله كما قال { فى سبيل الله } ولو كان يتبادر هذا اللفظ فى الجهاد فيراد الكل ولو كان المراد بالذات فى المقام الجهاد، والآية أمر بالجهاد بالمال بعد الأمر به بالجسد { ولا تلقوا بأيديكم } لا تطرحوا أيديكم أو تفضوا بأيديكم، وسمى الطرح إلقاء لأنه تصيير الشىء، يلقى أى يصادف، والأيدى الأجساد لأنها بعضها الذى تدفع به وتجلب غالبا، وأقوى، أو لا تلقوا أيديكم منتهية أو منتهين { إلى التهلكة } أى الهلاك أى المضرة الدنيوية وهى القتل، والأخروية وهى عذاب النار، ولا مصدر على هذا الوزن إلا تضره ولا تسره بمعنى الضرر والسرور فهن ثلاثة، وقيل الضم بدل من الكسر ولا داعى إلى إبدال الثقيل بالأثقل، وأما الجوار بالضم فلغة فى الجوار بالكسر لاتقل مع أن الضم أنسب بالواو، وأيضا الفعلة بالكسر مقيس فى معل اللام، سماع فى الصحيح، كتجربة وتكملة، وقيل الهلاك ما يمكن التخلص منه والتهلكة ما لا يمكن التخلص منه ، وزيادة الباء فى المفعول به قليلة، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إلى التهلكة، أى باختياركم فتأخذ التهلكة بها وتقبضها، فذكر الأيدى إشعار بالاختيار، وحذف المفعول، أو لا تجعلوا التهلكة آخذة بأيديكم، كما يقال فى العاجز ألقى بيده إلى عدوه، فإنك إذا تركتم الجهاد أو الإنفاق فيه أهلككم العدو بالقتل والتغلب، إذا تركوا الإنفاق فى الجهاد ضعف الجهاد فيئول إلى تركه وإلى غلبة العدو عليهم وقتلهم، قال أبو أيوب خالد بن زيد الأنصارى لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهلنا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت الآية، فيتحتمل أن سببها ما ذكره فتشمل بعموم اللفظ الإمساك عن الإنفاق، ولحب المال وذلك هلاك أخروى، وقد سمى البخل هلاكا لأنه سبب الهلاك، ويشمل الإسراف حتى يبقى بتكفف، ففى الإنفاق طرفان مذمومان، إفراط وهو الإسراف، وتفريط وهو الإمساك، نهى عنهما بقوله، وقاتلوهم، وفى رواية قالت الأنصار فيما بينهم: إن الله قد أعز دينه وكثر ناصره فلو قلنا له صلى الله عليه وسلم نقيم لإصلاح ما لنا وتدارك ما ضاع منها فنزلت الآية، واستدل بالآية على تحريم الإقدام إلى ما فيه الهلاك، وعلى جواز مصالحة الكفار والبغاة إذا خاف الإمام على نفسه أو على المسلمين، وفسر بعض التهلكة بالدخول فى وسط العدو، وفسر بالبخل ونحو ذلك مما مر، والعبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهو اشتغال الأنصار بأموالهم كما مر ومن مثل لها بمسلم دخل فى صف الروم وحده بعده صلى الله عليه وسلم لم يخطأ إلا إن قصرها على مثله { وأحسنوا } بالإنفاق، لا تتركوه ولا تسرفوا ولا تجعلوه فى المعصية، بل على أهلكم وقرابتكم وأهل الحاجة، وفى الجهاد فى سبيل الله وبأعمالكم وأحلاقكم { إن الله يحب المحسنين } أى يثيبهم على إحسانهم أو يعطيهم الخير، لأن من لازم الحب فى الشاهد فعل الخير.
[2.196]
Halaman tidak diketahui