{ ومآ أنزل الله من السماء من مآء } أى وفى خلق ما أنزله من السحاب، أو فى ما أنزله من السحاب، سماه سماء، أو من السماء إحدى السبع، يصل بسرعة، أو أريد بالسماء جهة العلو، فيشمل الوجهين، والماء تارة من السماء، أو من الجنة، ينزل فى أقرب مدة، كسرعة الملك فى النزول، وتارة من البحر والعيون بخارا، وهذا الأكثر، وتارة يتقلب أجزاء الهواء الصغار الهبائية ماء بسبب، وأخره، مع أنه أفضل، قيل لفضله الزائد، أو لحمعه العلو والسفل، إذ منه ما من السماء وما من البحر، كما أن اختلاف الليل والنهار فيه ذلك، لأن الضوء والظلمة فى الأرض والجو والفلك بالماء والريح { فأحيا به الأرض } بالنبات، أظهر بهجتها وزيادة منها، إظهارا شبيها بإحياء ما مات، وبإدخال الروح فيما ليس حيا قط، بجامع الحسن والزيادة، وهى قبل النبات جماد، وكميت بعد حياة، كما قال { بعد موتها } أى عدم النبات فيها أو زواله عنها، وذلك أن الماء سبب للحياة فى الحيوانات، وسبب للنبات والثمار، وينزل عند الحاجة، وبالدعاء والاستقساء، وفى مكان دون مكان، وهو لكل سنة مقدار مخصوص، ويكون فى بعض الماء دون بعض { وبث } به، أى فرق، أى بما أنزل من السماء من ماء، وفيه حذف رابط الصلة المجرور بدون جر الموصول بمثله، ودون تعلقه بما تعلق به جاز الموصول على الصلة، أو على ما عطف عليها، ولا يضر فصله لأنه سببى، وكأنه صلة، وهذا أولى من أن يقال بثه أى بث به { فيها } دواب { من كل دابة } أى من كل نوع من الدواب، توجد بالماء خلقا وينمو الموجود منها بالتوالد، مع اختلافهما، خرسا ونطقا، وصوتا، ولونا، ووحشا، وإنسا، ونقعا وضرا وطبعا، وغير ذلك كطول حياة وقصرها، وطول ذات وقصرها، ورقة وغلظة، وفى السماء دواب أيضا { وتصريف الريح } تقليبها جنوبا وشمالا، وقبولا ودبورا، حارة وباردة، ولينة وعاصفة، وعقيما، ولا قحا للمطر والشجر.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح قال :
" اللهم اجعلها رياحا لا ريحا "
، لأن مفردها فى القرآن سوء، كقوله تعالى:
وفى عاد...
[الذاريات: 41] الخ، وجعلها فى خبر، كقوله تعالى:
ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات
[الروم: 46] ويقال سميت ريحا لأنها تريح النفوس، وياؤه عن واو، ويقال ما هبت إلا لشفاء سقيم، أو سقم صحيح، ويقال البشارة فى الصبا، والشمال والجنوب، وأما الدبور فعقيم لا بشارة فيها، وسميت الصبا قبولا، لاستقبالها وجه الكعبة، وهى حارة يابسة، ويسميها أهل مصر الشرقية، لأنها تهب من الشرق، ويقال، المبشرات، والناشرات، والذاريات، والمرسلات، والرخا للرحمة، والعقيم والصرصر والعاصف والقاصف فى البحر للعذاب، والصبا من مطلع الشمس فى الاعتدال، والدبور تقابلها، والشمال من جانب القطب، والجنوب تقابلهما، وطبع الدبور البرد والرطوبة، يسميها أهل مصر الغربية، لأن مهبتها الغرب، وتأتى من دبر الكعبة، وطبع الشمال البرد واليبس، وتسمى البحرية لأنه يسار بها فى البحر على كل حال، وقلما تهب ليلا، وطبع الجنوب الحرارة، وتسمى القبلية لأن مهها من مقابل القطب وهى عن يمين مستقبل المشرق، ويقال إذا هبت على أهل مصر سبع ليال استعدوا للأكفان، ولو أمسكت الريح طرفة عين لمات كل ذى روح وأنتن على ما على الأرض { والسحاب المسخر } المذلل { بين السمآء والأرض } بلا عمد، ولا علاقة، مع ما فيه من المياه الثقيلة العظيمة التى تملأ منها الأودية، والأراضى، سميت لانسحابها وانجرارها ويسير بواسطة الرياح، وبين متعلق بمسخر، أو حال من المستتر فيه { لأيت } دلائل على وجود الله، وقدرته، وكونه لا كالأشياء { لقوم يعقلون } يستعملون عقولهم، فيدركون بها الحق ولا يهملونها.
روى ابن أبى الدنيا وابن مردويه عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
" ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ".
Halaman tidak diketahui