" ما زالت أكلة خيبر تعاديني أو تعاودني، فالآن قطعت أبهري "
، فمات بقتلهم، والجملتان عطفتا على استكبرتم لا على أيدنا كما أجازه بعض، وقدم فريقا فى الموضعين على طريق الاهتمام، والتشويق إلى ما بعد، وكذا نقول. بالتشويق فى سائر القرآن، إذا صح المقام له، وقلت على طريق، لأن الله عز وجل منزه عن الاهتمام، وبدأ بالتكذيب لأنه أول ما يفعلونه، ولأنه المشترك بين المكذب والمقتول.
[2.88]
{ وقالوا } للنبي صلى الله عليه وسلم استهزاء به صلى الله عليه وسلم { قلوبنا غلف } جمع أغلف، كحمر جمع أحمر، طبعت على أن لا يصل إليها ما يذكر لها من الوعظ والأمر والنهى، كشىء متعظ أغلف بغطاء حسى، فالآية تشبيه أو استعارة، كما فى زيد أسد، ولا يوجد فى اللغة الغلفة بمعنى الرين حقيقة، بل مجاز، كما أريد فى الآية، والرين وقع فى قلوبهم تحقيقا، وكذبوا فى قولهم خلقت لا يصل إليها ذلك، لأنهم متمكنون من الفهم، وأعرضوا كل مولود يولد على الفطرة، فذلك الإعراض كان به الرين، وبعضهم فهم الحق وجحد، وذلك الجحود، وذلك الفعل رين مانع عن النظر والقبول، وترك الجحود، أو جمع غلاف. فأصله ضم اللام سكن تحقيقا ككتاب وكتب، أى أوعية للعلم، فلو كان قولك حقا لوعته، أو استغنينا بما فيها من العلم بالتوراة، أو بسلامة الفطرة عن غيره، كما يمنع الغلاف الزيادة { بل } أى ليس كما قالوا من الخلقة على عدم الفهم، أو امتلائها علما، ومن عدم حقية ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم { لعنهم الله } أبعدهم بالخدلالن عن القبول { بكفرهم } أى بكفرهم السابق الذى جر إليهم قولهم، قلوبنا غلف، ولم تأبه قلوبهم لعدم كونه حقا، فإنه حق، ولكن خذلهم الله عز وجل، أو أبعدهم عن رحمته بكفرهم هذا الذى هو قولهم قلوبنا غلف { فقليلا ما } صلة لتأكيد القلة { يؤمنون } أى يؤمنون إيمانا قليلا جدا، لقلة ما آمنوا به، أو لقلة من آمن، أو زمانا قليلا، فإن قله ما آمنوا به قلة لزمان يوقع فيه الإيمان، ولو كثر ما أومن به لكثر زمان الإيمان، إذ تنزل الآية فيؤمنون بها، وتنزل الأخرى فى زمان فيؤمنون، وهكذا، وقلة من أمن من قلة الزمان إيقاع الإيمان، إذ لو كثر من آمن لوقع إيمان هذا فى زمان، وهذا فى زمان آخر، وهكذا، فتكثر أزمنة إيقاع لإيمان، وأما قولهم آمنوا بالذى أنزل على الدين آمنوا وجه النهار... أو أراد بالذلة النفى، كما جاء
" أنه صلى الله عليه وسلم يقل اللغو "
، ولا مانع من ذلك، وقيل: المراد إيمانهم حال الاحتضار تحقيقا، لكن لا يقبل.
[2.89]
{ ولما جاءهم } أى اليهود المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم { كتب } هو القرآن { من عند الله مصدق لما معهم } هو التوراة وغيرها من كتب الله، والأخبار المكتوبة، ومعنى تصديقه إياها أنه نزل بحسب ما نعت فيها هو، أعنى القرآن، وما نعت فيها النبى صلى الله عليه وسلم، وما يختص ببعثته صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما لم ينسخه القرآن وليس المراد أنه موافق للكل، والقرآن لإعجازه لا يحتاج إلى ما يصدقه { وكانوا من قبل } قبل بعثته صلى الله عليه وسلم { يستفتحون } الله آى يستنصرونه { على الذين كفروا } مشركى العرب من الأوس والخزرج المجاورين لهم إذا نالوا منهم سوءا وغضبوا لدينهم قالوا، اللهم انصرنا عليهم بالنبى المبعوث آخر الزمان، الذى نجد صفته فى التوراة، ويضعون أيديهم على اسمه فينصرون، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: وقال لهم معاذ وبشر بن البراء، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، فقال سلام بن مشكم، ما جاء بشىء نعرفه، وما هو بالذى نذكره. فنزلت الآية، أو يستفتحون يملون ويخبرون العرب أن نبيا يبعث الآن، نقاتلكم معه قتل عاد وإرم، كما يقال: فتح المأموم على الإمام إذا أخبره بما توقف فيه، وكانوا يقاتلون عطفان فتغلبهم غطفان فى كل وقعة، فكانوا يقولون، اللهم إنا نسألك بالنبى الأمى صلى الله عليه وسلم الذى وعدتنا أن تبعثه آخر الزمان، انصرنا عليهم فينصرون. فلما بعث كفروا به، فنزلت، وكانوا من قبل يستفتحون، الآية، أو يستخبرون، هل ولد { فلما جاءهم ما عرفوا } فى التوراة وغيرها عن النبى صلى الله عليه وسلم وصفاته وعلاماته وكتابه { كفروا به } حسدا وخوفا على زوال رياستهم وما يعطون، وجواب لما الأولى يقدر كجواب الثانية تأكيدا، أى كفروا به، أو تأسيسا مدلولا عليه بجواب الثانية، أى استهانوا، أو ردوه، أو امتنعوا، أو نحو ذلك، أو جوابها كفروا، فتكون الثانية أعيدت لبعض الأولى، كقوله
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون
[المؤمنون: 35] فأعاد أنكم، وعلى هذا الوجه أقحمت ألفا للإشعار بأن ذلك عقب استفتاحهم قبل، أو لما وما بعدها جواب للأولى، كقوله تعالى
Halaman tidak diketahui