، وإنما خصها بتحليل حلالها وتحريم حرامها مع أن القرآن كله كذلك لمزيد الاعتناء بها كذكر أربعة الأشهر الحرم مع ذكر اثنى عشر شهرا، ولاختصاصها بثمانية عشر حكما هى قوله: والمنخنقة إلى الأزلام، وقوله: وما علمتم من الجوارح وطعام الذين أوتو الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وقوله: إذا قمتم إلى الصلاة، والسارق والسارقة، ولا تقتلوا الصيد، ما جعل الله من بحيرة، شهادة بينكم إذا حضر، ومعنى ما يتلى الحيوانات التى تذكر فالاستثناء متصل.
{ غير } حال من الكاف لكم وهى مقدرة، والمراد إنشاء نفى إحلال الصيد فيكون من الإنشاء بغير الجملة، أو يقدر: كلوها غير محلى الصيد، أى غير معتقدين بحله، وإما أن يجعل حالا من كاف لكم بدون التأويل بالإنشاء السابق فيشكل بأنه لا فائدة فى تقييد إحلال بهيمة الأنعام بكونهم غير محلى الصيد وهم حرم لأنها محللة ولو أحلوا الصيد حال الإحرام، والغالب أنهم لا يحلون الصيد وهم حرم فيجوز أن يكون حالا من كاف لكم بلا تأويل بإنشاء، وقيد عدم إحلال الصيد جرى على الغالب لا مفهوم له، أو أريد ببهيمة الأنعام الصيود الشبيهة بها، وهو ضعيف، أو المعنى أحللنا لكم بعض الأنعام فى حالة امتناعكم عن الصيد وأنتم حرم لئلا يكون عليكم حرج، وإذا أحلت فى عدم الإحلال لغيرها وهم محرمون لدفع الحرج عنهم فكيف فى غير هذه الحال، فيكون بيانا لإنعام الله تعالى عليهم بما رخص لهم من ذلك، وبيانا لأنهم فى غنى عن الصيد وانتهاك حرم الحرم، ويجوز أن تكون حالا من واو أوفوا ولا يضر الفصل. { محلى الصيد } معنى إحلال الصيد انتهاك حرمته باصطياده فيشمل اعتقاده الحل وشمل الفعل مع اعتقاد الحرمة، والصيد الحيوان، ويجوز أن يكون بمعنى الاصطياد وهو أصله لأنه مصدر. { وأنتم حرم } بالحج أو العمرة أو كليهما، والواو للحال والمفرد حرم بمعنى محرم وصاحب الحال الضمير المستتر فى محلى. { إن الله يحكم ما يريد } يتقن ما يريد من تحليل وتحريم وغيرهما بحسب مشيئته ولتضمين يحكم معنى يتقن تعدى بنفسه لا بالباء، وهو أولى من تضمين معنى يفعل.
[5.2]
{ يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } مناسك الحج ودينه الذى حد لعباده وفرضه، وأما الذى لم يفرضه وهو النفل فلا يحرم إحلاله لأنه يحل تركه إلا أن يقال إحلاله اعتقاد أنه ليس من الدين، كما أن تحريم المحرمات من الدين وفعلها إحلال لها واعتقاد حلها إحلال لها، ويجب إتمام النفل بعد الدخول فيه، وعن ابن عباس: الشعائر المناسك كان المشركون يحجون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك، وعنه " إحلال الشعائر أن تصيد وأنت محرم " ويقال: الشعائر الهدايا المشعر بالطعن فى أسنمتها، قال الله تعالى:
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله
[الحج: 36] وقال:
ومن يعظم شعائر الله
[الحج: 32] فى دينه، والمفرد شعيرة بمعنى مشعرة فعيلة بمعنى مفعلة أى معلمة، كما يستعمل سميع بمعنى مسمع، أو الشعيرة اسم لما جعل علامة وأعمال الحج ومواقفه وعلاماته، ودين الله أعلام قدرته وألوهته، وإحلال دين الله مخالفته وإحلال الهدى صده وسلبه عن مشرك جاء به، والصيد فى الإحرام، ويقال: شعائر الله الإحرام والطواف والسعى والحلق والنحر وإضافتها لله تعالى تعظيم لها وتهويل للخطب فى إحلالها، وقيل: ما نصب فرقا بين الحل والحرم، وحلها نزعها أو مجاوزتها بلا إحرام إلى مكة، وقيل الصفا والمروة والهدى، فالشعور يوقع على تلك المواضع يعلم أنها مواضع الحج، وعلى الحاج يعلم الناس بها أنه حاج، هكذا الأفعال وإحلاله سرقته أو غصبه أو منعه أن يصل محله، كل ذلك حرام، { ولا الشهر الحرام } بالقتال فيه والسبى، ذا القعدة وذا الحجة والمحرم ورجبا، وهو أكمل الأشهر الحرم فى هذه الصفة، وأل للجنس، وقيل المراد رجب لما مر أنه أكمل، وقيل ذو القعدة، وعليه عكرمة وقيل الإحلال فى ذلك النسيىء والأنسب بالمؤمنين غيره. { ولا الهدى } ما أهدى إلى الكعبة من بعير أو بقرة أو شاة، وغير ذلك مما يتقرب به إلى الله عز وجل، لا تتعرضوا لذلك والمفرد هدية بإسكان الدال. { ولا القلائد } الأنعام ذوات القلائد المهداة، خصها بالذكر بعد لعموم مزيتها أو نفس القلادات من لحاء شجر ونعال فإذا كان لا يتعرض لما قلدت به الأنعام بالأخذ أو بالإلغاء أو بالإفساد، فأولى أن لا يتعرض لهذه الأنعام التى قلدت كقوله تعالى:
ولا يبدين زينتهن
[النور: 31] فأولى مواضع الزينة من أبدانهن، وتعليق القلادة يكون بالعنق ويكون أيضا بغير لحاء الشجر والنعال، وذلك ليعلم أنه هدى فلا يتعرض له، واللحاء بالقصر والمد قشر الشجر، فيجب التصدق به إن كانت له قيمة، كما يحب التصدق بما جعل على الهدى من نحو ثوب أو وطاء، ويجوز أن يكون القلائد ما يقلده الجاهلية على أنفسهم وإبلهم من لحاء الشجر من الحرم ليأمنوا على أنفسهم وإبلهم، وقيل كان أهل الحرم يقلدون أنفسهم بلحاء شجر الحرم، وغيرهم بالصوف والشعر وغيرهما، فنهاهم الله عن قطع ذلك من شجر الحرم، أو نهى عن التعرض لمن تقلد بذلك، وهذا ضعيف لأنه يوهم إبقاءهم على جواز قطع ذلك وجعله قلادة لهم ولإبلهم.
Halaman tidak diketahui