[آل عمران: 7] ولعل المراد القائل أن ذلك غالب { بالحق } بالعدل المتوسط بين الإفراط والحجج المثبتة أنه من الله عز وجل والصدق { مصدقا } أي الكتاب { لما بين يديه } ما وجد من كتب الله كلها، أو مصدقا الله لما بين الكتاب، والأولى، لاتحاد مرجع الضميرين فيه { وأنزل التوراة } على موسى، جملة مكتوبة في ليلة السادس من رمضان، واللفظ من ورى الزند إذا قدح نارا، فإنها ضياء إلى الهدى، أو من التورية بمعنى التعريض لكثرة التلويح، وزنه فوعلة، فالتاء الأولى عن واو ، والواو بعدها زائدة عن الخليل وسيبويه، وقال الفراء: تفعلة، فالتاء زائدة، والواو أصل، واعترض أن هذا الوزن شاذ، الجواب، أنه كالمصدر، أو أصله مصدر كالتجربة، وأصله تورية، أبدلت الكسرة فتحة، والباء ألفا، وقال بعض الكوفيين تفعلة بفتح العين { والإنجيل } على عيس، جملة مكتوبا في ليلة الثامن عشر من رمضان، والزبور في ليلية اثنتى عشرة، من النجل، وهو التوسعة، لأن فيه التوسعة لأشياء ضيق عليها في التوراة، والعين النجلاء الواسعة أو من النجل بمعنى الظهور لظهوره من اللوح المحفوظ، أو لاستخراجه منه، أو من التناجل، وهو التنازع، لكثرة النزاع فيه، وأل فيهما دليل عى عربتهما، أل ترى أنه لا يقال في الأعلام العجمية، الموسى والعيسى، والنوح ونحو ذلك، وكذا العربية إلا للمح الأصل بلا قياس، وأل فيهما لمح، ولا يعترض بالإسكندرية بأل، لأنه بياء النسب العربية، وكل منسوب كصفة، فصحت أل، وقولك الإسكندر بلا نسب مع أل خطأ، كخطأ من قال البنداد في بغداد، فقولهم: الأندلس والصين والهند تحريف متبوع فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:
" اطلبوا العلم ولو بصين "
، بدون أل، وزاد الراوى أل، والعربى لا يزيده، فتوراة تفعلة بفتح العين شاذ قياسا، وورودا، فصيح استعمالا، قلبت الياء الفا لتحركها بعد فتح، أو تفعلة بكسر العين فلا شذوذ، ولكن قلب الكسر فتحا، فالباء ألفا، وقراءة بعض بفتح همزة أنجيل شاذة، لا توجب أنه عجمى، بل لفظ شاذ لم يسمع إلا في هذا، بخلاف الكسر فوارد كإحليل وإكليل، واستدل بعض بقراءة الفتح على أنه عجمى.
[3.4]
{ من قبل } من قبل تنزيل القرآن أو من قبلك، ومعلوم أنه قبل، ولكن ذكر مبالغة في البيان، أو ذكر تلويحا بأنه أنزلهما قبل إرهاضا لك كما قال { هدى للناس } من الجهالة، ولو غير بنى إسرائيل، لأن فيهما التوحيد والإنكار على من يجعل المخلوق خالقا، أو يصف الله بالولادة، وفيهما التبشير بالنبى صلى الله عليه وسلم { وأنزل الفرقان } سائر الكتب للفرقة بين الحق والباطل، أو تعميم بعد تخصيص، أو القرآن فيكون ذكر أولا باعتبار تنزيله منجما، كما قال نزل بالتشديد، وذكره الآن باعتبار إنزاله جملة إلى السماء الدنيا، أو باعتبار وصفه، وهو الفرق بين الحق والباطل، أو بعض الآيات منه وهى التى فيها الفرق أو الزبور لأنه ولو لم يكن إلا وعظا، كما جاء به أثر، لكن الوعظ أيضا فارق، أو المعجزات لأنها فارقة بين من يدعى النبوءة محقا ومن يدعيها مبطلا { إن الذين كفروا } من اليهود والنصارى وغيرهم، أو المراد من نزلت فيهم الآيات { بآيآت الله } القرآن أو غيره من المعجزات، أو القرآن { لهم عذاب شديد } با قتل ونحوه، ونار الآخرة لكفرهم { والله عزيز ذو انتقام } عظم لا يمنع من مراده، ولا يطلق انتقامه، والانتقام الإضرار جزاء، سواء كان حقا كما هنا، أم باطلا، كما في قوله تعالى: { وما نقموا منهم... } الآية، فإنهم أضروهم جزاء لإيمانهم، إذ حسبوا الإيمان سواء، وهو تأكيد للمدح بطريق الذم، ولم يقل منتقم مع أنه مختصر للفاصلة، ولأنه إنما يقال: صاحب سيف لمن يكثر القتل، لا لمن معه سيف مطلقا.
[3.5]
المراد الجنس، السماوات والأرضون، ثم المراد التمثيل والكناية عن كل شىء، أو التجوز بإطلاق اسم البعض على الكل الذى هو العالم بأسره، بناء على عدم اشتراط التركيب في ذلك، فإنه لا يخفى عليه شىء في غيرهما أيضا، وخصهما بالذكر لمشاهدة هذه الأرض وسمائها، أو السماء ما علا، والأرض ما تحت، فيشمل العرش والكرسى وغيرهما، أى لا يقع الخفاء فيهما، وهو غير متصف بالحلول فيهما، أو لا يخفى عليه شىء ثابت في الأرض ولا في السماء، ولو كان عيسى إلها لم يخف عليه شىء وقومه معترفون بخفاء الأشياء عنه، والآية رد عليهم، ولعى الحكماء في قولهم لا يعلم الله الجزئيات إلا بوجه كلى، وقدم الأرض ترقيا من الأدنى للأعلى، وفي سائر المواضع أخرت، وعمل هنا بالترقى لأنها تربة النبي صلى الله عليه وسلم، وتربته أشرف من العرش والكرسى والسماوات، ولأن المقصود ما اقترف فيهما من المعاصى والطاعات، وليكون الكلام على طريق الاهتمام بشأن أهلها العصاة، وعلى طريق الترقى.
[3.6]
{ هو الذى يصوركم } التصوير جعل الشىء على صورة لم يكن عليها، والصورة هيئة يكون عليها الشىء بالتأليف { فى الأرحام كيف يشآء } أى على أى حال شاء أن يصوركم، فالله حي، إذ لا يفعل إلا الحى، ولا سيما أنه عالم بكل شىء فلا بد أن يكون حيا، والسياق إنا هو للوعيد والتحذير من عقاب من هو مطلع عليهم، إذ هو الذى يصور الصور المختلفة بالذكورة والأنوثة، والحسن والقبح، والسواد والبياض، والطول والقصر، والكبر والصغر، وغير ذلك، وليس من التصوير السعادة والشقاوة وكونهم نطفا أو علقا أو نحو ذلك، ولو كان عيسى إلها لم يصور في الأرحام، وينتقل من طور إلى طور، فهو من جملة من خلق الله، والمخلوق لا يكون خالقا، وكان عليه السلام يصو صورة خفاش، ويقول، يا حى يا قيوم، أحيها، فيحيا، وفي إثبات المشيئة رد على الفلاسفة القائلين بالطبع، وأيضا الطبع يحتاج إلى طابع، فيتسلسل أو يدور، وتصويره في الأرحام من جملة القيومية، وكيف حال من ضمير يصور، أو مفعول مطلق، أى تصوير { لآ إلة إلا هو العزيز الحكيم } فهو متقن لفعله، لأن الغلبة تقتضى القدرة التامة، والجملة تأكيد لما قبلها، ومبالغة في الرد على مثبت ألوهية عيسى، إذ لا عزة له يستقل بها، ولا قدرة ولا علم تامين.
[3.7]
Halaman tidak diketahui