أما مَن قدّره باسم تقديره: باسم الله ابتدائي. فلقوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ ١، ومَن قدّره بالفعل أمرًا أو خبرًا نحو: بدأ باسم الله، وابتدأت باسم الله، فلقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ٢، وكلاهما صحيح، فإنّ الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدّر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سَمَّيته قبله إن كان قيامًا أو قعودًا، أو أكلًا، أو شربًا، أو قراءة، أو وضوءًا، أو صلاة.
فالمشروع ذكر اسم الله تعالى في ذلك كله تبركًا وتيمنًا واستعانة على الإتمام والتقبل. وقدّره الزمخشري فعلًا مؤخرًا، أي: باسم الله أقرأ أو أتلو؛ لأن الذي يتلوه مقروء، وكل فاعل يبدأ في فعله باسم الله كان مضمرًا ما تجعل التسمية مبدأ له، كما أن المسافر إذا حلّ أو ارتحل، فقال: بسم الله، كان المعنى بسم الله أحل، وبسم الله أرتحل، وهذا أولى من أن يضمر أبدًا، لعدم ما يطابقه ويدل عليه، أو ابتدائي لزيادة الإضمار فيه، وإنّما قدم المحذوف متأخرًا وقدم المعمول، لأنه أهم وأدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم وأوفق للوجود، فإن اسم الله تعالى مقدَّم على القراءة، كيف وقد جعل آلة لها من حيث إنّ الفعل لا يعتد به شرعًا ما لم يصدر باسمه تعالى.
وأما ظهور فعل القراءة في قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ٣؛ فلأن الأهمّ ثمة القراءة، ولذا قدّم الفعل فيها على متعلقه، بخلاف البسملة فإنّ الأهم فيها الابتداء، قاله البيضاوي.
وهذا القول أحسن الأقوال، وأظنه اختيار شيخ الإسلام، وقد ألم به ابن كثير إلا أنه جعل المحذوف مقدرًا قبل البسملة وذكر ابن القيم لحذف العامل في بسم الله فوائدَ عديدةً:
منها: أنه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه سوى ذكر الله تعالى، فلو
_________
١ سورة هود آية: ٤١.
٢ سورة العلق آية: ١.
٣ سورة العلق آية: ١.
1 / 8