هي حفظت بأحسن من «أبيدوس» و«منفيس» في أعماق جبلها الوردي اللون المنقطع النظير أسرارا لتاريخ آلهتها وملوكها، كما تصان القنية الغالية، وهي تسلم إلى من يحترمها ويحبها مفتاح البرزخ المرموس، فيه غيب أولئك الآخذين بقسط من البشرية وقسط من الألوهية، الذين تجاسروا على تحدي العدم. ها هنا بينهم، في جوهم ذي الأسرار، استطعت أن أفهم المعنى الخفي للابتسام الذي لا يفارق شفاههم، وأن أملأ روحي من ذلك الكمال الغريب، الذي تفيض به كل فكرة من أفكارهم.
وبينما كنت في ذلك المساء الهادئ من أيام شهر مايو، أتأمل في الجبل المقدس الشبيه بلون الورد الذي تختلط فيه عظائم الخيالات بحقائق عظمى، لمحت ذلك الجبل سابحا في ضياء «را» الكبير، وخيل إلي أن مدينة طيبة لم تكن قط باهرة كما كانت في تلك الساعة.
يختلط الفاغم من أريج ورد الحديقة برائحة الياسمين المزدوج التي تدور لشدتها الرأس، وتذبل أزهار القرنفل البهيجة المدبجة بأنواع الألوان، بين أنامل الأشعة التي ترسلها آلهة طيبة عند مغيبها، وتنوء أغصان اللبلاب وعباد الشمس والأبيكسوس، تحت حمل عجب من أزهارها اليانعة. وبينما كانت تتم أبهة ذلك المساء الربيعي الشعلة اللامعة من شجرتي البونسيانا الكبيرتين، كانت القنابر والقماري تؤلف من تغريدها بأهازيج المرح، ومن سجع الطيور المهاجرة الزمردية اللون، تهليل أريحية وفخار.
قدرية حسين
الأقصر - 7 مايو 1920
Halaman tidak diketahui